مقال

الدكروري يكتب عن ابن عفيف الأزدي

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ابن عفيف الأزدي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ابن عفيف الأزدي، هو عبد الله بن عفيف الغامدي الأزدي وهو من غامد وهو أحد صحابة الإمام علي بن أبي طالب، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم موقعة الجمل واليمنى يوم موقعة صفين وهو يقاتل في صفوف الإمام علي بن أبي طالب، وبعد مقتل الإمام الحسين بن علي في كربلاء جمع أمير الكوفة عبيد الله بن زياد الناس في جامع الكوفة وصعد على المنبر فقال “الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي وشيعته” فنهض عبد الله بن عفيف من بين الناس وصاح “يا ابن زياد، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن ولاك وأبوه، يا عدو الله، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين؟ فغضب ابن زياد حتى انتفخت اوداجه، وانتفض من كان بالمسجد يقاتلون الشرطة ويمنعون اعتقال عبد الله بن عفيف، ففر عبد الله بن عفيف إلى منزله لكنه لم يستطع الفرار أكثر.

 

فاعتقلته الشرطة وقتلوا ابنته وزوجها وجيء به إلى أمير الكوفة عبيد الله بن زياد الذي أمر بقطع رأسه وصلبه، وهكذا دائما يتصور الطغاة والمستبدون، أنهم منتصرون بالسيف والمال والجند، حيث تنوعات الامكانات وتضاعفت القدرات المادية لتجعل الحاكم بين أبناء شعبه، أكثر من طاغية وديكتاتور ومستبد بالرأي، ليصل الى درجة العصمة وحتى الدفع به نحو السماء بالكلمة الكاذبة والمديح الباطل، لذا نجد كلمة الحق والصدق، هي السلاح الذي يخافه هؤلاء على طول الخط، لانه الوحيد الذي يفضح حقيقتهم الجوفاء، لذا يحاولون بشتى الاساليب إخماد هذا الصوت، او التشويش عليه حتى لا يصل الى اسماع الناس وقلوبهم، وإن اقتضى الأمر استخدام العنف بوحشية او القتل غيلة، فإنه بعد يوم واحد فقط على واقعة الطف، وحيث كان عبيد الله ابن زياد، يسعى للظهور كمنتصر أمام الناس في الكوفة، وتحديدا بعد خطابات عاصفة واجهها من أهل البيت عليهم السلام.

 

متمثلين بالامام زين العابدين وعمته العقيلة زينب وأم كلثوم، عليهم السلام، وفي مجلسه أمام جموع أهل الكوفة، حيث أماطوا اللثام عن واقعه الفاسد وانحرافه الفاحش عن الدين، اختلى بالجموع وصعد المنبر لترميم هيبته واستعادة شخصيته كونه الأمير المنصّب من الخليفة في الكوفة، فقال مما قاله “الحمد الله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر الأمير يزيد وأشياعه، وقتل الكذاب ابن الكذاب” فما زاد عن هذا الكلام شيئا، إلا نهض اليه من وسط المجلس رجل طاعن في السن، مكفوف البصر، وهتف بأعلى صوته”يا ابن مرجانه ان الكذاب ابن الكذاب، انت وأبوك ومن استعملك وأبوه، يا عدو الله أ تقتلون ابناء النبيين، وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين” فكانت هذه الكلمات المفاجئة، التي لم يتوقعها ابن زياد في الكوفة في تلك البرهة الزمنية، بمنزلة السهام التي صوبت اليه، فاستشاط غضبا، وسأل عن هوية المتكلم، فقيل له انه عبد الله من عفيف الأزدي.

 

ولعله يجهل هذه الشخصية، ولكن التاريخ يذكر انه من خيار اصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد لازمه في حروبه الثلاث، حتى فقد عينه اليمنى في الجمل، واليسرى في صفين، فبقي ملازما المسجد، يصلي ويعبد الله تعالى، والايمان يملأ قلبه، حتى جاء المواجهة الكبرى بين الحق والباطل. ومن أقوى الاحتمالات أن يكون هذا التابعي الجليل ممن كتب الى الامام الحسين بن علي، ويعده صدقا بأن يبايعه خليفة للمسلمين، لدى وصوله الى الكوفة، وربما هنالك آخرين على نفس الموقف، ولم تسنح لهم الفرصة بالظهور أمام الامة آنذاك، والتاريخ يقول السعادة الأبدية كانت من نصيب هذا الانسان العظيم، الذي تجاوز حالة العوق بكل ثقة واعتداد، فهو لا يتمكن من نصرة الحق بيده، إلا انه يتمكن بلسانه عندما يسمع يواجه الباطل وهو يزعق في اوساط الامة، وقد قالها أمام ابن زياد عندما اعتقله الجلاوزة وأتوا به، بأني كنت اتمنى الشهادة في جبهة الحق.

 

الى جانب الامام علي رضي الله عنه، وبعد تعرضي للعوق بعيني، يئست منها، وقد دعوت الله تعالى بأن أرزق الشهادة قبل ان تلدك أمك، وان تكون ذلك على يد ألعن خلقه وأبغضهم اليه والآن أحمد الله على ان زرقني الشهادة بعد اليأس منها، فكم من اصحاب الامام علي كرم الله وجهه، الذين كانوا معه في معاركه الثلاث مع الناكثين والمارقين والقاسطين، وقد شهدوا واقعة الطف، او كانوا في الكوفة يومذاك؟ وأين هم من عبد الله بن عفيف الأزدي الذي نال الشهادة وهو مسرور بتحقيق مبتغاه؟ لم يسجل لنا التاريخ موقفا بطوليا كالذي نقرأه عن هذا الصحابي البطل، وإلا لبرز وسطع وسط الظلام الدامس من الحياة التي عاشها المسلمون آنذاك وما يؤكد ذلك هو خلود مواقف بطولية، ليست من رجال إنما من نساء، مثل “طوعة” تلك المرأة، التي كانت بين آلاف النساء في الكوفة، تميزت فقط لأنها آوت مسلم ابن عقيل في تلك اللحظة التاريخية والمصيرية.

 

وكذلك تجدر الاشارة الى امرأة في سياق حديثنا عن هذا البطل، وهي ابنته الشابة التي لم يذكر لنا التاريخ اسمها، ولكن موقفها البطولي ورباطة جأشها ما من شأنه ان يعطي دروسا بليغة وعظيمة للأجيال، فبعد ذلك الرد الشجاع من عبد الله ابن عفيف الأزدي في وجه ابن زياد وأمام الناس، وقبل ان يصل اليه الجلاوزة، تمكن اصحابه وابناء عشيرته من اخراجه من المسجد والانطلاق به الى منزله، فلحقوا به لاعتقاله، وبعد معارك دامية بين أنصار الأزدي من عشيرته، وبين جلاوزة ابن زياد، اقتحموا عليه الدار، فلم يكن معه في الدار سوى ابنته، فهذا الشيخ الطاعن في السن، والمكفوف البصر، ومعه ابنته الشابة، ثم يتم اقتحام الدار لاعتقال الرجل وقتله، فما يكون موقف هذه الفتاة؟ فلننظر الى آثار التربية الصالحة من أب موالي وشيعي حقيقي لابنته، فلولا تفانيه في القتال والتضحية والبسالة منذ عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

وحتى اللحظات الاخيرة وهو يواجه الجلاوزة بسيفه، يدور به لقتال الاعداء بثقة نفس عالية، لما وقفت ذلك الموقف العظيم، وهي تقوم بدور الموجه لأباها وهو يدور بسيفه دفاعا عن نفسه وحتى لا يتجرأ أحد بالاقتراب اليه، فكلما احتوشوه من جانب، صاحت بأبيها أن يحذر ذاك الجانب وينتبه الى الجلاوزة، مما أعياهم أمره وعجزوا عن الامساك به، إلا بعد فترة طويلة، وإصابة عدد كبيرة منهم بجراح، وهنا صاحت هذه الأبنة المصونة والمؤمنة وهتفت “يا ابتاه ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة” وهكذا ينقل لنا التاريخ مقاطع من كلامها، مما يستدعي التأمل بوجود هكذا وعي لدى شريحة من المجتمع الكوفي بحقيقة الأمور، ولكن المشكلة هي في قلة هذه الشريحة أمام السواد الأعظم الذي اشترى ابن زياد ذممهم وضمائرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى