
الدكروري يكتب عن لحظات من النقد الذاتى
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من أهم ما حثت عليه الشريعة الإسلامية هذا التسامح الديني العجيب الذي لم تعرفه حضارة مثلها قامت على الدين، فإن الذي لا يؤمن بدين ولا بإله، لا يبدو عجيبا إذا نظر إلى الأديان كلها على حد سواء، وإذا عامل أتباعها بالقسطاس المستقيم، ولكن صاحب الدين الذي يؤمن بأن دينه حق وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها، ثم يتاح له أن يحمل السيف، ويفتح المدن، ويستولي على الحكم، ويجلس على منصة القضاء، ثم لا يحمله إيمانه بدينه، واعتزازه بعقيدته، على أن يجور في الحكم، أو ينحرف عن سنن العدالة، أو يحمل الناس على اتباع دين، فإن رجلا مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ.
فكيف إذا وجد في التاريخ حضارة قامت على الدين وشادت قواعدها على مبادئه ثم هي من أشد ما عرف التاريخ تسامحا وعدالة ورحمة وإنسانية، ولكن لقد عاد أغلبنا اليوم إلى ما كانوا عليه في العصر الجاهلى نعلق مشكلاتنا بمشاجب غيرنا, أما نحن فهيهات هيهات أن تمر بنا ساعة نجلس فيها إلى أنفسنا ولو دقائق فى مواجهاتها في لحظات من النقد الذاتى, لننتقد في هذه الساعة أنفسنا سلوكنا أخلاقنا عاداتنا، فنسمع كلنا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الفتن “إذا رأيت شحا مطاعا, وهوى متبعا, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذى رأى برأيه, فعليك بخاصة نفسك, ودع العوام” وإذا نظرنا إلى هذا الحديث وإلى واقعنا المعاصر.
نجدنا أننا على النقيض تماما من هذا الحديث، فالمصائب التي تأتي إلينا من يمين وشمال تترا نسلط عليها الضوء ونتحدث عنها ونعلق عليها, ولا يعود الواحد منا ربما للحظة إلى تقويم اعوجاجه, إلى البحث عن سبب هذه المصائب في بيته في كيانه في أسرته, في التربية الجانحة التي يمارسها بعيدا عما ورثه من كتاب الله وعما بلغه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مرض العامة هو مظهر لمرض متموضع في كيانك, ونحن اليوم مطلوب منا أن نعالج هذه المصائب كلها بدواء واحد لا ثاني له، وهو أن نعود إلى أنفسنا بساعة قدسية من النقد الذاتي, ماذا فعلنا حتى سلط الله علينا العدو؟ ماذا صنعنا حتى منينا بهذه المصائب المختلفة؟
ماذا ارتكبنا حتى تحولت وحدتنا إلى تفكك وخصام؟ فينبغي أن يطرح كل منا هذه الأسئلة في ساعة صدق وتوجه، ولكن عندما ننظر إلى حال الأمة وهي وسط هذه البلايا والرزايا العظام, نجد أنها عاكفة على ألوان من الغى لا لون واحد فقط, ألوان من المعاصي والمخالفات والصدود، فعندما ننظر مثلا إلى إعلام المسلمين وهو في غمرة البلاء نجد أشكالا من التفاهات, من أفلام ومسلسلات لا تنتهي, وسهرات وبرامج لا تؤكد واقع الانتماء, وكأنما يقع للمسلمين خيال أو مجرد أوهام, سفاهات تدعو إلى الزنى وإلى العهر إلا من رحم الله وسلم، ومن تلك المصائب العظام التى جاء بها الإعلام وسوق لها الأقزام.
تلك المسابقات التي يجتمع فيها شباب وشابات لمدة في بيت واحد، ليختار منهم في الأخير عن طريقة تصويت الجمهور, يصوتون ويتابعون ويتفاعلون، وعندما يختار أحدهم يستقبل في بلاده استقبال الفاتحين, وكأنه فتح بيت المقدس, أو نفع الأمة بعلم, أو اختراع يرفع قدراتها, أو يجعل لها مكانا وسط الأمم، إن المسلمين ليسوا أغبياء والمفروض فيهم أنهم ليسوا أغبياء, فالكل يعلم الأموال المرصودة لاقتحام هذا اللون من ألوان البرامج التي تسمى بتلفزيون الواقع، وهو واقع مر أليم، هذه الأموال ترصد من أجل تقويض البقية الباقية من الشرف, من أجل تقطيع بقايا الحبل الموصول بيننا وبين كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.