
الدكروري يكتب عن مفهوم حفظ العورة
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
إن التاريخ أثبت بأن بني آدم كانت فيهم فئام وتجمعات بشرية شبه عارية من اللباس، كما أشار إلى تنوع أسباب هذا السلوك فمنهم من كان لا يعرف اللباس، ومنهم من كان يتعمد التكشف لشبهة في عقله، أو لمرض في نفسه، فكان هناك قبائل كانت تعاني من الفقر والجهل فكانت لا تهتدي إلى صنع اللباس، وأيضا تعري العرب عند طوافهم بالكعبة، بشبهة أنهم لا ينبغي لهم الطواف بثياب عصوا الله فيها،وأيضا العري المعاصر الذي ينبع من هوس جنوني بالتعري والشذوذ الجنسي والجشع المادي، مما جعل أصحابه يعلنون انحرافهم بالأفلام والصور الإباحية، ونوادي وشواطئ التعري، والزواج المثلي وغير ذلك.
فقال المفسرون، عن قوله عز وجل ” يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا” قيل أنها نزلت هذه الآية في قوم من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة، وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان، أحدهما أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها، والثاني هو تفاؤلا بالتعري من الذنوب، فقال الله تعالى ” قد أنزلنا عليكم لباسا” أي ما تلبسون من الثياب، ولئن كانت هذه هي فلسفة العرب قديما في تعرّيهم فإن آخرين اليوم يستبيحون سلوك التعري باسم الأدب والفن، وحوار الثقافات والاحتجاج السياسي، إلى غير ذلك، وقد أبرز بعض علماء التاريخ أن البشر الذين كانوا متجردين من اللباس كان منهم أقوام انحرفوا عن توجيهات الأنبياء.
وما أرشدوا إليه البشرية من كمالات حضارية وسلوك يحفظ الكرامة الإنسانية، وقد عصى هؤلاء الناس أنبياءهم فيما هو أعظم من اللباس والستر، ألا وهو توحيد الخالق العظيم عز وجل فانتكسوا بسبب ذلك إلى أحط المظاهر وأقبحها وهى عبادة الأصنام والأحجار والأقمار، فكيف لا ينتكسون فيما هو دون ذلك فيصيرون عراة متجردين؟؟ وقد ارتبطت ظاهرة التعري وحب العري بمجال الأدب منذ غابر الزمن فارتبطت به لكون الأدب علما وضع للتعبير عن المعاني الجميلة بأفضل الأساليب وأبلغ العبارات، ولكن انحراف الذوق جعل كثيرين يعتبرون المجون والتعري من الجمال والحسن ومن هنا لاحظنا اشتمال التراث الأدبي على كثير من النصوص الشعرية والنثرية في عشق الجسد العاري.
والتدقيق في وصفه والتعبير عن حبه إلى درجة تصل أحيانا إلى التأليه والعياذ بالله، وقد وجد في كل أمة مصلحون ما فتئوا يؤكدون بدافع ديني أو ذوقي أدبي سليم، انحراف هذا المسلك، وقبح الذوق الذي ينبني عليه، وقد عرف هذا الانحراف عند علماء الإسلام باسم عشق الصور، وتتابعوا على عده مرضا قلبيا يحتاج إلى علاج قوي وطويل الأمد، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا يحسن بالمسلم أن يتحلى بها عند لبسه لثيابه فمن ذلك التسمية، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبدأ بها في أعماله كلها، ومنها البدء باليمين عند اللبس وبالشمال عند الخلع، لما ثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في شأنه كله” رواه البخاري.
وهو يدل على استحباب البدء باليمين في كل ما كان من باب التكريم والزينة، ومن الآداب الإتيان بالذكر المشروع عند لبس الثياب فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبه أو قميصه، حمد الله تعالى قائلا “الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة” رواه أبو داود، وإذا لبس ثوبا جديدا دعا الله قائلا “اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوز بك من شره وشر ما صنع له” رواه الترمذي، وإن من جملة هديه صلى الله عليه وسلم في لباسه عدم إطالة الثوب والإزار، فكان إزاره لا يتجاوز الكعبين، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين” رواه أبو داود، وقال “ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار” رواه البخارى.