مقال

الدكروري يكتب عن المحافظة علي النظام المجتمعي

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المحافظة علي النظام المجتمعي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإسلام في القرن العشرين، أخذ يظهر كقوة عالمية يستمد قوته، ليس من القدرة العسكرية الاقتصادية، التي تحمل مخاطر إشعال الحرائق والحروب تنافسا على الثروة، وفرضا لمبدأ الهيمنة، بل كمقدم لمشروع حضاري إنساني متكامل، حاملا الخلاص للعالم، والنجاة للإنسانية المهددة بالانهيار الروحي والتشويه الإنساني، وانحطاط القيم الثقافية والحضارية، حيث تسمح ديمومة القناعة الدينية، بالتشديد على صلاح الإسلام للزمن الراهن عن طريق أمثلة مستقاة من الحقبة المعاصرة ومن الماضي، وقد احتفظنا من القانون الإسلامي بما اعتبرناه ثابتا لا يتحول، لا بوصفه قواعد ابتدعها أو استنتجها الفقهاء، إنما بوصفه تعبيرا عن إجراء روحي مرتبط بحضارة خاصة، وجوهر لقانون وهبه الخلاق العليم جل جلاله، فهو من هذه الناحية، وبصورة عامة جدا، مثالي وثابت، وهكذا اهتم التفكير القانوني بالمحافظة على النظام المجتمعي.

 

أكثر من اهتمامه ببناء مجتمع، وراح يتطور مع نمو المجتمع، وأكسبه مظهره الذممي مرانا كبيرا، ولم يعمل المظهر القانوني على عكس صورة عن الواقع بالتطابق مع الأحداث، بل كان مفروضا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علما نظريا مرتبطا مع الأحداث، بل كان مفروضا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علما نظريا مرتبطا بجوهر القانون وهو الوحي وخاضعا له، كما أن الأغصان جزء من الشجرة، وقد كان من الممكن أن تتلاقى الواقعية العملية الممارسة في حدود الأطر التي فرضها نظام أسمى اقتصار القانون على مثل أعلى مجرد أو على نمط سلوك لا يمكن بلوغه، وباختصار، بدا لنا أن روح القانون الإسلامي أصلح لبحثنا من طريقة تطبيقه، وإن الله عز وجل سن سننا في كونه، وحدّ حدودا في شرعه، من خالفها أو تجاوزها فلا يلومن بعد ذلك إلا نفسه، ومن ذلك أنه سبحانه وتعالى جعل هناك حدودا، وأمر عباده بحفظ أشياء لو ضيّعوها.

 

ولم يحفظوها كان عقابهم سلب الأمن منهم، ولقد أنعم الله تعالى على كثير من الأمم بنعمة الأمن، لكنهم لما كفروا بنعمة الله وأعرضوا عن شرع الله، عاقبهم الله فبدل أمنهم خوفا، فلا تسل عما يحل بهم بعد ذلك، وإن من الخطأ قصر مفهوم الأمن على نطاق ضيق متمثل في مجرد حماية المجتمع من السرقة أو النهب أو القتل وأمثال ذلك، فمفهوم الأمن أعم من ذلكم وأجل، إنه يشمل التمسك بعقيدة التوحيد والبعد عن الشرك وموالاة الأعداء، وتنحية شرع الباري سبحانه وتعالى عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع الله بشرع غيره، فإن الأمن بمفهومه الشامل يتمثل في حماية المجتمعات وحفظها من الوقوع في الشبهات والشهوات عبر دعاة التغريب، وما يبث عبر الصحف والقنوات، وإن الأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للأرواح والأموال لصوصا، فإن للعقول لصوصا كذلك، ولصوص العقول أشد خطرا وأنكى جرحا من سائر اللصوص.

 

ولقد جمعت شريعة الإسلام المحاسن كلها، فصانت الدين، وحفظت العقول، وطهرت الأموال، وصانت الأعراض، وأمنت النفوس، أمرت المسلم بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمة والاطمئنان على أخيه المسلم إشارة منها لنشر الأمن بين الناس، وأوجبت حفظ النفس حتى في مظنة أمنها في أحب البقاع إلى الله، فقال عليه الصلاة والسلام “إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل، فليمسك على نصالها، أو قال فليقبض بكفه، أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء” متفق عليه، وكذلك حذرت الشريعة الإسلامية من إظهار أسباب الروع بين صفوف المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار” متفق عليه، وكذلك حرّمت على المسلم الإشارة على أخيه المسلم بالسلاح ولو مازحا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه” رواه المسلم.

 

وقال الإمام النووي رحمه الله “هذا مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواء من يُتهم فيه ومَن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا، لأن ترويع المسلم حرام بكل حال” ودعا الإسلام إلى كل عمل يبعث على الأمن والاطمئنان بين صفوف أفراده، وأمر بإخفاء أسباب الفزع في المجتمع، فقال عليه الصلاة والسلام “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما” رواه أحمد، ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، منح أهل مكة أعظم ما تتوق إليه نفوسهم فأعطى الأمان لهم، وقال صلى الله عليه وسلم “مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومَن ألقَى السلاح فهو آمن، ومَن دخل المسجد فهو آمن” رواه مسلم، وما شُرعت الحدود العادلة الحازمة في الإسلام على تنوعها إلا لتحقيق الأمن في المجتمعات، وبالخوف من الله ومراقبته يتحقق الأمن والأمان، فهابيل امتنع من قتل قابيل لخوفه من ربه، وكذلك العناية بالعلم والتمسك بالكتاب والسنة، شريعة وقيما وأصولا.

 

فهى عصمة من الفتن، وكذلك فإن للتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان، فقال ابن القيم رحمه الله “وإذا ظهر العلم في بلد أو محلة قل الشر في أهلها، وإذا خفي العلم هناك ظهر الشر والفساد” فحافظوا على هذه النعمة وهى نعمة العقل، لا تفسدوها بتصورات وأخلاق دخيلة على دين الإسلام، حافظوا على عقولكم من كل ما يضرها في دينها ودنياها، وحافظوا على عقول أبنائكم ذكورا وإناثا، خصوصا من هذا الخطر الجديد الذي داهم علينا بيوتنا، وهو البث المباشر، وهو زبالة الغرب ونتنه وسمومه، وبث الأخلاق السيئة والعادات الرذيلة التي يمجها صاحب الفطرة السليمة، كيف نريد من شبابنا بعد ذلك ألا يسرق؟ فأين الأمن في الأوطان والغرب قد وجّه كل قواه علينا؟ فإن الأمن لا يمكن أن يحصل إلا في ظل شريعة الله حُكما وتحاكما، مع المحافظة على العقول وفق منهج الله، ولو فرطنا في تحكيم كتاب الله فبطن الأرض خير لنا مِن ظاهرها.

 

وإن مما ينبغي أن يُعلم أنه لا أمن بلا إيمان، فمن حقق الإيمان ظفر بالأمن، وبقدر ما يتحقق من الإيمان يتحقق مثله من الأمن، ومن استكمل شُعب الإيمان وخصاله استكمل صور الأمن وأشكاله، فإن بالأمن تصلح الحياة، وتنبسط الآمال، وتتيسر الأرزاق، وتزيد التجارات، وبالأمن تفشو معه الماشية، وتكثر الأمة، وبالأمن تتقدم معه التنمية، وينتشر فيه العلم والتعليم، ويعز فيه الدين والعدل، ويظهر فيه الأخيار على الأشرار، وتوظف فيه الأموال في كل مشروع نافع للفرد والمجتمع، والأمن تحقن فيه الدماء، وتصان الأموال والأعراض، وتنام فيه العيون، وتطمئن المضاجع، يتنعم به الكبير والصغير والإنسان والحيوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى