مقال

الدكروري يكتب عن دين الرحمة والسلام

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن دين الرحمة والسلام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإسلام شمل برحمته حتى الحيوان البهيم وغيره، لأنه دين الرحمة والعدل والسلام، وأمر المسلمين بالتمسك بالرحمة في أرفع معانيها، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال، دخل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من رب هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله، فقال “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه” رواه أحمد وأبو داود، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم، لم تشغله قيادته للمعارك ومنازلة أعدائه أن يرعى الضعفاء ويرق لحالهم، ويسعى لخلاصهم ويمنع عنهم الاعتداء، فكانت إنسانيته الراقية وحسه المرهف يدفعانه بقوة أن يكون نصير كل مظلوم، وسند كل مقهور وحامي كل مكسور.

 

وكان لبني مقرن خادمة فلطمها أحدهم، فجاءت تشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، باكية، فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالكها قائلا له ” أعتقوها ” فقالوا ليس لنا خادم غيرها فقال صلى الله عليه وسلم ” فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها” إنه النبي الإنسان الرفيق الرحيم صلى الله عليه وسلم، الذي جعل فداء اللطمة، وثمن الإهانة أن تنال هذه الجارية حريتها، والنبي صلى الله عليه وسلم، هنا يقرر مبدأ إسلامي أصيل وهو أن رق الإنسان وعبوديته ليس موجبا لحرمانه من حقوقه وتجريده من آدميته والاعتداء على كرامته واعتباره كالسائمة، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم، عظيم الأدب رفيع الذوق كريما، لا يدع إنسانا أهدى إليه معروفا، أو ساق إليه خيرا إلا كافأه بأحسن ما يكون العطاء فإن لم يجد فبدعوة كريمة، وثناء عطر، مصداقا لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن الأعرابي الذي بال في المسجد.

 

فلما قام الصحابة رضي الله عنهم لينكروا عليه فعلته ويعاقبوه عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم دعاه فقال صلى الله عليه وسلم له “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن” ثم أمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فأراقه عليه، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجودهم، وبذلك شهدت له زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها في قولها “إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم” ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان” وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المواقف وأصعبها، ومع ذلك كان ثابتا راسخا لا يُدبر، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا اشتد القتال بالمعركة، يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فيقول الإمام علي رضي الله عنه “إنا كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه” ولم تكن شفقته بأصحابه ورقته بهم وحبه الغامر لهم يمنعه من تصحيح الخطأ وإقامة الحق وتنفيذ القصاص العادل معهم، نعم إنه رجل توازن يضبط مشاعره ويلجم عواطفه بلجام العقل والحق، فعندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاة عثمان بن مظعون أسرع إلى بيته فقد كان عثمان رضي الله عنه من الصحابة القريبين إلى قلبه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بكاء كثيرا ولكن عندما قالت زوجة عثمان رحمة الله عليك أبا السائب لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم “وما يدريك أن الله أكرمه؟ والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي” فالدموع التي سكبها على عثمان ما كانت لتحول بينه وبين تصحيح خطأ أو على الأقل مبالغ فيه، فالوفاء شيء والحق شيء آخر، وكان هذا المنهج المتوازن.

 

لازمة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى في سياسته لأهل بيته نعم كان يفيض حبّا لزوجاته، ويتفجر رقة وعذوبة لهن لكن ما كان يرضى أن يكون الحب لإحداهن مبيحا للاعتداء والتجاوز، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها ما رأيت صانعة طعام مثل صفية بنت حيي أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام وهو عندي “تعني النبي صلى الله عليه وسلم ” فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته؟ قال “إناء بإناء وطعام بطعام” وكان صلى الله عليه وسلم زوجا يتودد إلى زوجاته ويتقرب إليهن، ويفعل كل ما يقوي الرابطة ويشد العلاقة، فكان إذا شربت عائشة رضي الله عنها من الإناء أخذه فوضع فمه على موضع فيها وشرب، وإذا تعرقت عرقا وهو العظم عليه لحم، أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتعامل معهن ببشريته التي فطره الله عليها فلم يكن متكلفا متعنتا، وهذا سر عظمته، ومبعث الاقتداء بسيرته، فقد كان يتكأ في حجر عائشة ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها.

 

وربما كانت حائضا، وكان يأمرها فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خلقه أنه مكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده وهي متكأة على منكبيه تنظر، وكان ينزل إلى مستوى زوجاته، ويشبع رغباتهن فكان صلى الله عليه وسلم يسرب بنات الأنصار إلى عائشة يلعبن معها، وأكثر من هذا ما روته هي بنفسها تقول “سابقت رسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فسبقته على رجلي، قالت فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال هذه بتلك السبقة” وكان صلى الله عليه وسلم يخفض لهم جناحه، ويفهم طبيعتهم السنية، فيداعبهم ويلاطفهم ويقبلهم، ويحتضنهم ويصبر عليهم، ويكره أن يقطع عليهم مرحهم وسعادتهم حتى ولو كان بين يدي الله تعالى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الحسن بن علي رضي الله عنهما دخل عليه وهو يصلي وقد سجد فركب ظهره فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن، فلما فرغ قال له بعض أصحابه يا رسول الله قد أطلت سجودك، فقال صلى الله عليه وسلم “إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى