
الدكروري يكتب عن المنابر الإسلامية “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لما أمر الله عز وجل نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بإعلان نبوته، والجهر بدعوته، والصدع بالحق إذ نزل عليه قول الحكيم الخبير “فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين” فارتقى النبى صلى الله عليه وسلم جبل الصفا وصاح بأعلى صوته “واصباحاه” وهي صيحة يصيح بها العربي حين يحس بخطر داهم يوشك أن يحيط بقومه أو عشيرته، ثم أخذ ينادي يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني كعب، لبطون قريش كلها حتى اجتمعوا فقال النبى صلى الله عليه وسلم “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، فقال صلى الله عليه وسلم “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد” فقال أبو لهب، تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟ فنزل قول الحق سبحانه وتعالى ” تبت يدا أبى لهب وتب” وأما خطبته صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيها.
“وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا ما أحسن الله إليكم، فقال تعالى “وجاهدوا فى الله حق جهاده” وسماكم المسلمين، فقال تعالى “ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ” ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفِه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” ثم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطب تذكر بالله، وتدعو إلى حبه والتحاب فيه، والتنفير من الدنيا، وبيان العلم الشرعي وفضله وبثه في الناس من جيران وغيرهم، ثم تلك الخطبة الجامعة العظيمة في حجته التي ودع فيها الناس، وأعطاهم فيها دروسا عظيمة قيمة.
تحمل وصايا كثيرة نافعة في البعد عن الظلم، وترك الربا، والإيصاء بالنساء، وغيرها مما ينير للأمة الإسلامية في كل قرونها المقبلة طريقا هاديا يرضاه الله ورسوله، ويفوز سالكوه بخيري الدنيا والآخرة، وهكذا عمر خلفاؤه الراشدون الأئمة الحنفاء المهديون منابر المساجد، مرشدين وموجهين، ومتحسسين حاجة الأمة المسلمة إلى ما يرقق قلوبها، ويوضح لها معالم الحق، ويسيرها على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، وسارت على هذا النمط الأجيال المؤمنة تستخدم منابر المساجد للإرشاد، والتوجيه، والإنذار، والتحذير، وبيان الأحكام، وغرس العقيدة الصحيحة، وعلاج ما في المجتمع من أدواء وعيوب، واستئصال شأفة الحقد والحسد وكل خلق ذميم، والحث على المنهج الصحيح، والسلوك المستقيم حتى يعيش المجتمع المسلم نقيا صافيا متوادا متراحما، متكاتفا متعاطفا، يحس فرده بما يقلق جماعته، وجماعته بما يزعج فرده.
فقال صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وقال صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعت إليه سائر الأعضاء بالسهر والحمى” وفي مجال الدعوة وتخريج الدعاة من المساجد، فمنها تخرج عباقرة الصحابة ونحارير التابعين ومن بعدهم من القرون، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا رسله إلى الآفاق يعلمون الناس دينهم، ويمحقون معالم الشرك وآثار الوثنية، ومستنقعات الفجور والمعاصي، وتلاهم على هذا النهج الخير والدرب النير أساتذة كبار، ومشايخ أمناء في شتى العصور والأجيال، فعمر بن عبد العزيز ومالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهم ممن نشروا الدعوة بألسنتهم الصريحة في الحق، وكتبهم المجدية النافعة التي ملأت مكتبات العالم وأثرتها إثراء جما، ولا سيما في عصرنا هذا.
بعد أن نشطت حركة التحقيق والنشر، وينفرد المجتمع الإسلامي بنظامه الخاص، والعلة الرئيسية هي أنه مجتمع من صنع شريعة خاصة جاءت من لدن إله واحد، فهذه الشريعة التي وجدت كاملة منذ نشأتها غير مدرجة تدريجا تاريخيا هذه الشريعة هي التي أوجدت المجتمع، وأقامته على أسسه التي أرادها الله لعباده، لا التي أرادها بعض هؤلاء العباد لبعض، وفي ظل هذه الشريعة تم نمو الجماعة الإسلامية، ووجدت ارتباطات العمل والإنتاج والحكم، وقواعد الآداب الفردية والاجتماعية ومبادئ السلوك وقوانين التعامل ووسائل مقومات المجتمع الخاصة التي تحدد نوعه، وترسم له طريق النمو والتطور، وحري بالمسجد أن يقوم بدوره في بناء هذا المجتمع، لأنه مركز التوجيه والإشعاع، ومقر التخطيط لبناء المجتمع، ومنبر الهداية والإرشاد لجميع من دخله من المسلمين دون تفريق بينهم، وإن من أول ما دعا إليه الإسلام عدم التفرقة بين المسلمين فقيرهم وغنيهم، عربيهم وعجميهم.