مقال

الدكروري يكتب عليكم بالصالحات المؤمنات القانتات ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عليكم بالصالحات المؤمنات القانتات ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ومن المعلوم أن في زواج البكر من الألفة التامة، لما جُبلت عليه من الأنس بأول إنسان تكون في عصمته، بخلاف الثيّب التي قد تظل متعلقةَ القلب بالزوج الأول، فلا تكون محبتها كاملة، ولا مودتها صادقة، مما يدفعها أحيانا إلى النفور من الأخير، أو الفتور في معاملته، وإن من الصفات التي تتميز بها البكر، هو كثرة ملاطفتها لزوجها، وملاعبتها له، ومرحها معه، وعذوبة ريقها، وطيب فمها، بما يحقّق لزوجها متعة عظيمة حين معاشرتها، كما أن عذوبة الأفواه تفيد حسن كلامها، وقلة بذائها وفحشها مع زوجها، وذلك لكثرة حيائها، لأنها لم تخالط زوجاً قبله، وكونها ولودا، حيث لم يسبق لها الحمل والولادة، ورضاها باليسير، من الجماع والمال والمؤنة ونحو ذلك، لكونها بسبب حداثة سنها أقل طمعا، وأسرع قناعة، فلا ترهق زوجها ما لا يطيق لكثرة مطالبها، وكونها أقل خبا، أي مكرا وخداعا، لما جبلت عليه من براءة القصد، وسذاجة الفكر.

 

فهي في الغالب غفل لا تزال على فطرتها، لا تعرف حيلة، ولا تحسن مكرا، ومع كل، فإنه يجوز للرجل اختيار الثيّب إذا توفَّر لديه من الأسباب ما يدعوه إلى ذلك، قال صاحب عون المعبود في التعليق على حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه “وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار، إلا المقتضي لنكاح الثيّب، كما وقع لجابر، فجابر مات أبوه وترك له تسع أخوات يتيمات، يحتجن منه إلى رعاية وعطف وخدمة، فكان من الموائم له أن يتزوج ثيّبا، تقوم على أمرهن وتعنى بشأنهن” وكما أن تكون جميلة، حسنة الوجه، لتحصل بها للزوج العفة، ويتم الإحسان، وتسعد النفس، ومن هنا كانت نساء الجنة، اللاتي جعلهن الله تعالى جزاء للمؤمنين المتقين، من الحور العين، فقال الله تعالى في سورة الدخان ” إن المتفقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين”

 

وفي آية أخرى يقول الله تعالي في سورة الواقعة “وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون” والحور هي جمع حوراء، وهي البيضاء، وقال مجاهد “سميت الحوراء حوراء لأنه يحار الطرف في حسنها، وقيل هي من حور العين وهي شدة بياضها في شدة سوادها، وقال أبو عمرو بن العلاء الحور أن تسود العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور لأنهن شُبهن بالظباء والبقر، أما العين فجمع عيناء، وهي الواسعة العين، واللؤلؤ المكنون الذي شبههن به في الآية الثانية، هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس والنظر، فلم تثقفه يد، ولم تخدشه عين، وفي هذا كما يقول سيد قطب كناية عن معان حسية ونفسية لطيفة في هؤلاء الحور الواسعات العيون” وأن تكون حسيبة، كريمة العنصر، طيبة الأرومة، من حرائر النساء لأن الغالب فيمن اتصفت بذلك، أن تكون حميدةَ الطباع، ودودة للزوج، رحيمة بالولد.

 

حريصة على صلاح الأسرة وصيانة شرف البيت، وفي كل الأحوال فإن أصالة الشرف وحسن المنبت ونبل الأرومة أمر مرغوب ومطلب محمود فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها” وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من أراد أن يلقى الله طاهرا مُطهرا فليتزوج الحرائر” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تخيّروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء” والحسب هو الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا، عددوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيُحكم لمن زاد عدده على غيره ويؤخذ من الأحاديث المذكورة أن الشريف النسيب.

 

يستحب له أن يتزوج بذات حسب ونسب مثله، إلا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة ديّنة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات، وقد قال أكثم بن صيفي “فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف” وبدهي أن الرجل إذا تزوج المرأة الحسيبة المنحدرة من أصل كريم، أنجبت له أولادا مفطورين على معالي الأمور، متطبّعين بعادات أصيلة وأخلاق قويمة لأنهم سيرضعون منها لبان المكارم، ويكتسبون خصال الخير، أما أهل الدنيا فإنهم يجعلون المال حسبهم الذي يسعون إليه، ففضائلهم التي يرغبون فيها ويميلون إليها ويعتمدون عليها في النكاح وغيره المال، لا يعرفون شرفا آخر مساويا له، بل مدانيا إيّاه، فصحاب المال فيهم عزيز كيفما كان، والمقل عندهم وضيع ولو كان ذا نسب رفيع، فعن أبي بريدة عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها المال”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى