
الدكروري يكتب عن إنتبهوا أيها الرويبضة ” جزء 5″
بقلم / محمــــد الدكـــروري
ولقد بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصراط المستقيم، والهدي القويم، وأمره أن يبين للناس ما يحل لهم، وما يحرم عليهم، فيقول الله تعالى ” الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراه والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث” فقال ابن كثير ” وقال بعض العلماء كل ما أحل الله تعالى، فهو طيب نافع فى البدن والدين، وكل ما حرمه، فهو خبيث ضار في البدن والدين” فالحرام لا يأتى بخير، وإن كان له بريق، والتحسين إنما يكون بالشرع، لا بالعقل المحض، الذي زين لبعض الناس شرب الخمر، فاستحلوا ما حرم الله، فهل وصل الأمر ببعضنا إلى أن يستوى عنده الحلال والحرام، فلا يميز بينهما؟ فيقول النبى صلى الله عليه وسلم “ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام” رواه البخارى.
وإن الجسد الذى ينبت من الحرام، تنتظره النار يوم القيامة، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم “إنه لا يربو لحم نبت من سحت، إلا كانت النار أولى به” رواه الترمذى، ويقول صلى الله عليه وسلم “إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة” رواه البخارى، وإن لأكل الحرام في زماننا مظاهر كثيرة منها التحايل في الخصومة أمام القضاة، كما هو شأن بعض من يحبُكون التزوير والتلبيس، والإدلاء بشهداء الزور ظلما وبهتانا، فقال تعالى ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعملون” وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه “هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم، آكل حرام” وقال قتادة “واعلموا أن من قضي له بباطل، أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة.
فيقضى على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا” ومن ذلك أكل مال اليتيم، الذي شنع فيه ديننا على أصحابه أيما تشنيع، بأسلوب تقشعر منه أبدان الذين يعقلون، فيقول تعالى فى كتابه الكريم ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا” وقال السدى “إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلما، يُبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه، ومن أذنيه، وأنفه، وعينيه، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم” وقال صلى الله عليه وسلم “اجتنبوا السبع الموبقات” وذكر منها “أكل مال اليتيم” رواه البخارى ومسلم، ومن ذلك الاتجار في المحرمات، كالمخدرات، والسلع المغشوشة، والتعاملات الربوية وغيرها، فيقول الله تعالى ” وأحل لكم البيع وحرم الربا” وعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نهى عن ثمن الكلب أى ثمن بيعه، ومهر البغى، وهو ما تعطى على الزنا، وحُلوان الكاهن وهو ما يعطى على تكهنه” رواه البخارى ومسلم، ومن هذا القبيل، الغبن الفاحش في البيع والشراء، بأن يزيد في ثمن السلعة زيادة فاحشة، مصحوبة بتزيين المغشوش، والكذب في وصفه وتحديد تاريخه، كما يفعل ببعض الناس، وكل ذلك غش ومكر وخديعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويقول”من غشنا فليس منا، والمكر والخديعة في النار” رواه الطبرانى، ولقد تفطن السلف الصالح لخطورة هذا الأمر، وبلغ بهم الورع إلى ترك الحلال أحيانا مخافة الوقوع في الحرام، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “كنا ندع تسعة أعشار الحلال، مخافة أن نقع في الحرام” ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يُقبل ذلك منكم إلا بورع حاجز أى مانع”
ويقول ابن المبارك “لأن أردّ درهما من شُبهة، أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة ألف” ويقول يحيى بن معاذ رحمه الله “الطاعة خزانة من خزائن الله، إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال” ومما رواه البخارى في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان لأبى بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقينى فأعطانى بذلك، فهذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر رضى الله عنه يده، فقاء كل شيء في بطنه” وكذلك قإن من مضار أكل الحرام، هو إفساد القلب، إذ هناك رابطة وثيقة بين صلاح القلب وفساده، وبين ما يُدخل المرءُ جوفَه، ولهذا السبب قال النبي صلى الله عليه وسلم “الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس” ثم قال بعد ذلك “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” متفق عليه.