مقال

الدكروري يكتب عن إياكم والفساد ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن إياكم والفساد ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم فإن البلاء سينزل بنا جميعا، فينبغي ألا نجامل أحدا إذا رأينا مفسدا يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله سبحانه وتعالى حتى لا ينزل بنا العذاب، فإن رأينا مفسدا، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، أن نبلغ عنه فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” فينبغي علينا أن نحارب الفساد سرا وجهرا بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة، إذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح.

 

وإن الدين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأول لبعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, فالإسلام ذاته ثورة ضد الفساد, بدءا من فساد العقيدة، فقد جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وجاء ليقضى على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية, وينشر بدلا منها, الأخلاق القويمة الحميدة، وتكون العصبية للدين وحده, جاء ليقضى على كل مظاهر الفساد الاقتصادية والاجتماعية ويؤصل بدلا منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض بالأمة ويجعلها رائدة العالم كله، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية السمحة لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، وهذا هو الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام، حيث كان الإصلاح هو سبيل أئمة المصلحين من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وهو منهجهم، وأضاف الله الإفساد إلى المنافق وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد.

 

الذي أضافه الله عز وجل إلي هذا المنافق، فقال تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق، وإخافته السبيل كما حدث من الأخنس بن شريق، وقال بعضهم بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين، وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصص الله تعالى وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض، وفي سياق التشريع القانوني وضعت أشد عقوبة وأقساها في الإسلام ضد المفسدين في الأرض، ولهذا قاوم الرسول صلى الله عليه وسلم المفسدين ونكل بهم وعاقبه أشد العقوبة، فعن أنس بن مالك قال سألني الحجاج قال، أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قلت قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم.

 

فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا” رواه البخاري ومسلم، وهذا في سياق من يقطعون الطريق أمام إعمار الأرض وإصلاحها وازدهارها، ويسعون في الأرض فسادا، فلقد أوجب الإسلام على كل مسلم أن يسعى للإصلاح في الأرض لا للإفساد فيها، وهذا أمر الله عز وجل، وجاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال “إذا أتيت على راع فناد ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد” أحمد والحاكم.

 

وفي مجال الإنفاق حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم الإفساد في النفقة فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ” رواه البخاري ومسلم، ولقد جاء في القرآن الكريم فى سورة القصص ” يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين ” فيتسلط على الضعفة وعلى المساكين والأبرياء، وهكذا تظهر قوة الظالم على المظلوم الضعيف ولكن الله بالمرصاد، وإن الله بيده الأمور يفعل ما يشاء ولا يفعل شيئا سبحانه إلا لحكمة، وبعض الناس المصابون بقصر النظر وربما اعترض منهم وربما اعترض بعضهم على أفعال الواحد القهار وعلى أقدار العزيز الجبار، والله عز وجل يبتلي عباده ويقدر أمورا من القتل وغيره ليتخذ شهداء من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى