
الدكروري يكتب عن الإمام الجوزجاني ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الجوزجاني، وقد نص الإمام الجوزجاني على هذا المنهج بنفسه، فقال في كتابه أحوال الرجال، ومنهم زائغ عن الحق، صدوق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولا في بدعته، مأمونا في روايته، فهؤلاء عندي ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يُعرف، إذا لم يُقوّ به بدعته، فيُتهم عند ذلك، وهذا المذهب هو ما عليه جمهور المحدثين من أهل السنة والجماعة، وقد نقل ابن حجر هذه العبارة مُقرا لها في لسان الميزان، ولم يجد ابن حجر مثالا على غلو الجوزجاني في جرح الشيعة إلا مقولته في الأعمش الكوفي ثقة فيه تشيع لكنه يدلس عن كذابين، فقد قال الجوزجاني في كتابه أحوال الرجال، حدثني أحمد بن فضالة وإبراهيم بن خالد، عن مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن زيد، قال، قال الأعمش حين حضرته الوفاة أستغفر الله وأتوب إليه من أحاديث وضعناها في عثمان.
وهذا إسناد رجاله ثقات، ولكن حمّاد بصري أرسل الخبر ولم يحضر احتضار الاعمش، فيكون حمّاد قد سمع الخبر من رجل لم يُسمه، فلا يصلح هذا جرحا في الأعمش، ولا يُطعن به في الجوزجاني، أم بالقوة يريدون أن يكون الجوزجاني كذابا لأجل أنه يُظن أنه اتخذ موقفا سياسيا من الشيعة؟ ولم يستطع أحد من هؤلاء إثبات تهمة النصب للجوزجاني، فأين ما يدّعونه؟ وقيل إنما اعتمد ابن حجر على قصة باطلة ذكرها السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيق الجوزجاني لكن فيه انحراف عن الإمام علي اجتمع على بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جارية له فروجة أي دجاجة لتذبحها، فلم تجد من يذبحها فقال سبحان الله فروجة لا يوجد من يذبحها، وعلي يذبح في ضحوة نيّفا وعشرين ألف مسلم؟ ويقصد قتل عليّ لمسلمي الشام في صفين، والقول بأن هذا يُسمى انحراف عن علي، ولا يعني مناصبته العداء.
ولا يعني شتمه أو سبه والعياذ بالله، إنما كان الحافظ الجوزجاني على مذهب أهل دمشق فى الميل على الإمام علي، وبين هذا وبين النصب فرق كبير، وبذلك نفهم قول ابن حبان في كتابه الثقات عنه كان حريزي المذهب، و لم يكن بداعية، ويقصد أنه يشبه حريز بن عثمان، وهذا الأخير كان ثقة ثبتا يترحم على الإمام عليّ وينكر على من شتمه، إلا أنه كان يقول لا أحبه، قتلت آبائي، ومقولة الحافظ الجوزجاني تصب في نفس المعنى، وقال العلامة المعلمي في كتاب التنكيل، في رده على الكوثري وأما الجوزجاني فحافظ كثير متقن عارف، وثقه تلميذه النسائي جامع كتاب خصائص علي وقائل تلك الكلمات في معاوية، ووثقه آخرون، فأما ميل الجوزجاني إلى النصب فقال ابن حبان في الثقات كان حريزي المذهب، ولم يكن بداعية، وكان صلبا في السنة إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره.
وقال ابن عدي بأنه شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في النيل على الإمام علي، وليس في هذا ما يُبيّن درجته في الميل، فأما قصة الفروجة فقال ابن حجر في تهذيب التهذيب، قال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه لكن فيه انحراف عن الإمام علي رضي الله عنه، وعن ميمون بن مهران قال كنت أفضّل عليا على عثمان، فقال عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، أيهما أحب إليك، رجل أسرع في المال، أو رجل أسرع في كذا ويعني الدماء، قال فرجعت وقلت لا أعود، وهذا بيّن في أن عمر بن عبد العزيز وميمون بن مهران، كانا يريان فعل علي خلاف الأولى أو خطأ في الاجتهاد، ولا يعد مثل هذا نصبا، إذ لا يستلزم البغض، بل لا ينافي الحب، وقد كره كثير من أهل العلم معاملة أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة معاملة المرتدين، ورأوا أنه أخطأ، وهم مع ذلك يحبونه ويفضلونه، فأما حط الجوزجاني على أهل الكوفة.
فخاص بمن كان شيعيا يبغض الصحابة أو يكون ممن يظن به ذلك وليس أبو حنيفة كذلك ثم قد تقدم في القاعدة الرابعة من قسم القواعد، النظر في حط الجوزجاني على الشيعة، واتضح أنه لا يجاوز الحد، وليس فيه ما يسوغ اتهامه بتعمد الحكم بالباطل، أو يخدش في روايته ما فيه غض منهم أو فيهم وتوثيق أهل العلم له يدفع ذلك البتة كما تقدم في القواعد، وألف الإمام الجوزجاني العديد من المصنفات والمؤلفات المهمة في مختلف فروع العلم الإسلامي، منها مسائل الإمام أحمد، وإمارات النبوة، وأحوال الرجال، والتاريخ، وكتاب المترجم، وفي عام مائتان وخمس وأربعين للهجرة، رحل الإمام الجوزجاني إلى مصر، وعاش فيها فترة، وكان له دور ملموس في إثراء الحياة العلمية في مصر، ثم عاد إلى دمشق ومات فيها سنة مائتان وست وخمسين من الهجرة، وفي رواية أخرى قال أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي، مات الجوزجاني يوم الجمعة مستهل ذي القعدة سنة مائتان وتسع وخمسين من الهجرة.