مقال

الدكروري يكتب عن حكايات مع الجبال ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن حكايات مع الجبال ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــروري

إن التفكر في خلق الله تعالى من أكثر الوسائل التي تدعو إلى الإيمان، وتزيد اليقين لدى الإنسان وتعرفه بعظمة الخالق ومدى علمه وحكمته، فالله عز وجل خلق السماوات والأرض بالحق، ولم يخلقهما باطلا ولا عبثا ولم يخلق شيئا سُدى ولو تأمل الإنسان وتفكر بعمق في هذا الكون وما فيه من مخلوقات لأيقن تمام اليقين أن هذا الكون مخلوق بقدر متناهي في الدقة، خلقه إله حكيم قدير عليم، قدّره أحسن تقدير ويكفي أن نتدبر في أن هذا الكون بسماواته ونجومه ومجراته، وما فيه من أرضنا وما تزخر به من بحار وأنهار وأراضين وجبال وحيوانات وأشجار قد خلقه الله سبحانه وتعالى من عدم، لنستشعر مدى قدرة الله وعلمه وحكمته، والجبال منظومة كونية يرد ذكرها في القرآن بصيغة الجمع، فإذا ما وردت الكلمة بصيغة المفرد “جبل” فإنها تحمل إيحاء مخصوصا.

فهي جبال شهدت مع الخليل إبراهيم عليه السلام كيف يحيي الله الموتى، أو جبل دُك في الأرض حينما تجلى الله له، أو جبل يخشع ويتصدع من حمل الأمانة، أو جبل ينتق فوق بني اسرائيل، ليأخذوا ما آتاهم الله بقوة، أو جبل يعتقد ابن نوح جهلا منه أنه يعصمه من الغرق وفي القرآن إشارة علمية شغلت العلماء قديما وحديثا حول وظيفة الجبال، وما معنى أنها رواسي؟ وعلى أي شيء ترسو؟ وحقيقة الجبال الأوتاد، وما هي العلاقة بين شموخ الجبال وتصريف الرياح، وإنزال المطر، وطبيعة العلاقة بين مد الأرض وإنقاصها من الأطراف والرواسي؟ وهل الجبال تتحرك في الدنيا؟ وحين يتفكر العاقل في خلق الله يعلم علما يقينيا أن كل ما في هذا الكون عابد لربه فكل مخلوقاته تسبح بحمده سبحانه وتعالى واقدروا الله حق قدره، وانظروا في دلائل عظمته، وتفكروا في آياته وآلائه.

وملكه وسلطانه، وعجائب خلقه وإبداعه لتزدادوا به إيمانا، وتخرّوا له إذعانا وخضعانا وإنه خلق هائل عجيب، وكون عظيم مهيب، شرق وغرب، وسلم وحرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب، وشموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وحب ونبات، وجمع وأشتات، وأحياء وأموات، وآيات في إثرها آيات، فسبحانه من إله عظيم، أوضح دلالته للمتفكرين، وأبدى شواهده للناظرين، وبين آياته للغافلين، وقطع عذر المعاندين، وأدحض حجج الجاحدين، ولقد كشف القرآن الكريم عن جوانب من سمات الجبال، وأبدى لنا بعض أسرارها، وعرفنا بالعلاقة بين بعض المخلوقات وبين الجبال، فالنحل أوحى إليها ربنا أن تتخذ من الجبال بيوتا، وأصحاب الكهف أمرهم الله بأن يحتموا بذلك الكهف، فناموا بين أكنافه، فنشر عليهم من رحمته، وجعل لهم من أمرهم يسرا.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبل البعثة خرج من ضوضاء مكة وشتات عبادة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى إلى جبل النور، حيث الطمأنينة والتفكر ومناجاة الله، حتى جاءت رسل الله بالحق المبين، فاهتزت عروش الشرك وتهاوت أصنامه أمام صيحات التكبير، وحين وجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المعارضة والمحاربة من كفار قريش، وعزموا على قتله، هاجر من مكة للمدينة واحتمى في غار ثور، ليبعد الأعين عن طريقه ويواصل رحلته نحو المدينه الطيبة، وفي كل تلك المراحل من بداية تحنثه صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه وطريق هجرته، كان الجبل مرة أنيسه وطمأنينته، ومرة حصنه وأمانه بحول الله، وحتى حين نزلت طلائع الوحي الأولى، كان الجبل شاهدا على اللحظات الأولى له، ثم حين استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة.

ووقعت غزوة أحد، استُشهد عددٌ من الصحابة وتعالت الأصوات أن الرسول صلى الله عليه وسلم تم قتله، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محتميا بشق في جبل أحد ومعه عدد من الصحابة، فهذا الجبل عاش مع الصحابة أحداث المعركة، وابتلت صخوره بدمائهم الزكية، فنشأت علاقة محبة بينه وبين المسلمين، ويقول عنه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” أحد هو جبل يحبنا ونحبه ” كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والتسليم، وظهرت تلك المحبة حين صعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وذو النورين عثمان بن عفان، فاهتز الجبل فرحا بهم، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” اثبُت أحد، فإن فوقك نبي وصديق وشهيدان ” وهذه الجبال رغم صلابتها وصمتها إلا أنها تشفق وتأبى ويقول الله تعالى ” إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى