مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 8″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام إبن سيد الناس، وكان مولده كان في رابع عشر ذي القعدة بالقاهرة وهي المدينة التي تمثل مهاجر والده الذي كان قد استقر فيها في وقت مبكر، وولي مشيخة الكاملية بعد ابن دقيق العيد، ثم انتزعها منه البدر بن جماعة، وأسندها إلى غيره، وقد كان جده الحافظ أبو بكر محمد مستقرا ببجاية من بلاد الجزائر، بعد هجرة هذه الأسرة إلى الأندلس، وكانت بجاية إذ ذاك من الحواضر العلمية في المغرب حيث كان أبو بكر أحد أعلامها وشيوخها، وتربي أبو الفتح في بيت علم ودين، وهذا يؤكد أن صاحبنا أبا الفتح قد ولد في بيت علم وفضل ودين، يحرص على أن ينشأ أبناؤه علمية وفق ما تعارفت عليه البيئات العلمية آنذاك، التي كانت تولي التلقي والمشافهة والإسناد الشأن الأكبر في التعليم والتعلم، ولذلك نرى والده أبا عمرو محمد يأخذه وهو بعد في تمائمه.

في سنته الأولى من عمره إلى مجلس شيخه النجيب عبد اللطيف ابن عبد المنعم الحراني، فكان ذلك أول عهده بالإحضار والإجازة برواية الحديث ثم أحضره حين بلغ الرابعة من عمره وهي سن الإحضار عادة عند المحدثين، عدة المجالس، منها مجلس شمس الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي، واستمرت عناية هذا الوالد بولده أبي الفتح، وإحضاره إلى مجالس العلم والحديث، حيث كان يأخذ إليها وهو في الخامسة، ويتولى بنفسه القراءة ليسمعه، وشاهد ذلك بعض مسموعاته في هذه السن، ومنها كتاب الشفاء للقاضي عياض، الذي سمعه بقراءة والده على ابن رشيق بمصر سنة ستمائة وسبعة وسبعون من الهجرة، ولما بلغ سن الرابعة عشرة من عمره، بدأ بالتلقي المباشر عن الأشياخ، فهو يقول ثم في سنة ستمائة وخمس وثمانون من الهجرة.

كتبت الحديث عن شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني رحمه الله بخطي، وقرأت عليه بلفظي، وعلى الشيوخ من أصحاب المسند أبي حفص بن طبرزذ، والعلامة أبي اليمن الكندي، والقاضي أبي القاسم الحرستاني، والصوفي أبي عبد الله بن البنا، وأبي الحسن بن البنا، وغيرهم، بمصر والإسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك، وبهذا تكون قد تكاملت له كل عناصر التنشئة العلمية التي فتحت الطريق أمامه واسعا بعد ذلك لطلب العلم داخل مصر وخارجها، حتى غدا شيخنا علما ومحدثا حافظا، له مكانته بين أقرانه وأهل عصره، قادرا على الإجازة والإقراء والتدريس والتصنيف، وتولي المناصب العلمية الرفيعة، ولم يتيسر لأبي الفتح أن يكتب معجما جامعا لمشايخه، كما فعل أكثر الحفاظ والمحدثين، ولكن تلميذه وصديقه الصفدي استثاره بسؤال عن أحفظ من لقي منهم.

فرد عليه بأجوبة اعتبرت تصنيفا من كتبه، يحتوي على أسمائهم وعلمهم، وما تميز به كل واحد منهم من الحفظ والإتقان، وقد استفاد من هذه التراجم ابن فهد في تذييله على تذكرة الحفاظ، وكما كان ابن سيد الناس إلى جانب غزارة عمله، وتنوع تخصصاته يتحلى بصفات أخرى، تجعل طلال العلم، يقبلون على مجالسه ودروسه، ولا يترددون في الأخذ عنه، والسماع منه، والتخريج به، وقد ناهزت مؤلفات ابن سيد رحمه الله تعالى عشرة كتب، تتفق موضوعاتها مع تكوينه الثقافي واهتماماته العليمة، إذ لم تخرج عن نطاق الحديث والسيرة والتراجم والأدب، وبعد حياة حافلة بالتعلم والتعليم، والخطابة والتدريس، والكتابة والتأليف جاء الأجل المكتوب، والقضاء المحتوم، ومات ابن سيد الناس حيث اختارته المنية وهو يستقبل في مجلسه أحد أصدقائه بمنزله في مدرسة الحديث الظاهرية.

فقد هب لاستقباله، ثم سقط من قامته، وتوفي رحمه الله من ساعته، ودفن من غده بالقرافة في جنازة حاشدة، شيعها القضاة والأمراء والجند والفقهاء، ولما بلغت وفاته تلميذه الصفدي رثاه بقصيدة، وتوفى الإمام إبن سيد الناس فى يوم السبت فى الحادى عشر من شهر شعبان سنة سبعمائة وأربعة وثلاثون من الهجرة، وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن بجوار سيدى ابن أبى جمرة رحمهما الله تعالى فى القرافة الكبرى بمصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى