الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 10″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء العاشر مع الإمام إبن مجاهد، وبدأ الشباب يقبلون على تعلم القراءات العشر وتعليمها وقراءتها والإقراء بها، وهي ظاهرة صحية مبشرة بالخير، وأما عن أسباب اقتصار ابن مجاهد على القراء السبعة؟ فيمكن أن نحصر الأسباب التي جعلت ابن مجاهد يعمد إلى التسبيع، ويخص هؤلاء السبعة في ثلاثة أسباب، وهم أولا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار، فجعل ابن مجاهد عدد القراء على عدد المصاحف، واختار من كل بلد وجّه إليه عثمان بمصحف قارئا، ولما أعياه أن يجد قارئا من البحرين أو اليمن وهما من البلدان التي وجه إليها عثمان مصحفا، استعاض عن ذلك بتعديد قراء الكوفة، حيث كانت فيهم كثرة في القراء، ووفرة في العلوم عامة، وقال أبو شامة وكان غرض ابن مجاهد أن يأتي بسبعة من القراء من الأمصار.
التي نفذت إليها المصاحف ولم يمكنه ذلك في البحرين واليمن لإعواز أئمة القراءة منها، فأخذ بدلهما من الكوفة لكثرة القراء بها، ولكن قد اختلف في عدد المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، فاختيار ابن مجاهد أنها سبعة فلذلك جعل القراء سبعة، واختار غيره القول بأنها خمسة مصاحف فألف كتاب الخمسة، وهو الإمام المقرئ أبو جعفر أحمد بن جبير المتوفى سنة مائتان وثماني وخمسين من الهجرة، وثانيا أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن وهي سبعة، لا أنه يعتقد أنها هي المرادة بالأحرف السبعة كما ظنه بعض معاصريه، بل على سبيل التبرك فيه، وقد وُجد من نسب إلى ابن مجاهد أنه كان يعتقد في قراءة هؤلاء السبعة تأويل حديث الأحرف السبع، وقال أبو طاهر بن أبي هاشم تلميذ أبي بكر بن مجاهد، رام هذا الغافل مطعنا في شيخنا أبي بكر فلم يجده.
فحمله ذلك على أن قوّله قولا لم يقله هو ولا غيره ليجد مساغا إلى ثلبه، فحكي عنه أنه اعتقد أن تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم “أنزل القرآن على سبعة أحرف” هو قراءات القراء السبعة الذين ائتم أهل الأمصار بهم، فقال على الرجل إفكا، واحتقب عارا، ولم يحظ من أكذوبته بطائل، وذلك أن أبا بكر كان أيقظ من أن يقلد مذهبا لم يقل به أحد قبله، وثالثا هي شهرة هؤلاء السبعة بين القراء، واتفاق أهل الأمصار عليهم، وكثرة الرواة عنهم، حتى إن أبا عبيد القاسم بن سلام قال فيهم إنهم تجردوا في القراءة واشتدت بها عنايتهم وكثر لها طلبهم، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم، ويقتدون بهم فيها، وقال ابن مجاهد فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان.
التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام، ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزاً في العربية أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه، ولم يعرف القراء قبل ابن مجاهد التسبيع، ولا كان مؤلفوهم يخصونهم بالذكر، ولما سبع ابن مجاهد أخذوا عليه في هذا التسبيع أمورا، وهي إن الاقتصار على سبعة يوهم أن ذلك هو المراد من حديث الأحرف، وإن لم يكن هو مراد ابن مجاهد، وقد وجد من قال بذلك، ونبه العلماء على خطئه، وقد اتهم ابن مجاهد بقلة الإطلاع وعدم المعرفة الواسعة بالرواة عن الأئمة القراء، وأنه قدم ما حقه التأخير، واكتفى براويين عن كل إمام مع أن بعضهم قد يوجد له من الرواة الثقات أضعاف ذلك.
وأيضا فكما انتقد ابن مجاهد في مسألة تخير الرواة عن الأئمة فقد انتقد في اختيار بعض السبعة، وقال المقرئ ابن عمار المهدوي رحمه الله أما اقتصار أهل الأمصار في أغلب أمورهم على القراء السبعة الذين هم نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر فإن ذلك على سبيل الاختصار، عندما رواه من أكثر القراءة، بسبب اتساع الاختيارات، فذهب إليه بعض المتأخرين على وجه الاختيار والاختصار، فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم، والشرع المعين المعلوم، حتى صار بعضهم إذا سمع قراءة تخالف شيئا مما بلغه من الحروف السبعة خطأ قارئها، وربما كفره، مع كون تلك القراءة التي أنكرها أشهر في القراءات، وأظهر في الروايات، وأقوى في اللغات، وانضاف إلى ذلك أن من قلت عنايته من المتأخرين اقتصر من طريق هذه القراءات السبع.