الدكرورى يكتب عن آخر ملوك يهوذا صدقيا بن يوشيا “جزء 1”

الدكرورى يكتب عن آخر ملوك يهوذا صدقيا بن يوشيا “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
تمر الأيام ويمر الزمان ولا تبقى إلا الذكرى لنأخذ منها العبرة والعظة ولكن يجب علينا أن نعلم أن الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها كان حريا أن يبارك له فيها، ومن أخذها بغير حقها كان كالذي يأكل ولا يشبع، ألا وإن من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار اتقى الحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، وإنما الدنيا بلاغ، وخير البلاغ أوسطه، ومن انقطع إلى الله كفاه كل مؤنه، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن أصبح محزونا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه، ومن شكى مصيبة نزلت به إلى الخلق فإنما يشكوا الله، ومن خشع وتضعضع للدنيا ذهب ثلثا دينه، وإن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ودار ترح لا دار فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوي.
والآخرة دار عقبى، فجعل بلوي الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي، فاحذروا حلاوة رضاعها، لمرارة فطامها، واحذروا لذيذ عاجلها لكريهة آجلها، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه معترضين، ولعقوبته مستحقين، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله مثقال حبة من خردل لم يعطها إلا أولياءه وأحبائه من خلقه، ولو كانت تعدل عند الله في الخير جناح بعوضة ما أعطى منها كافرا شيئا، وما سقاه منها شربة ماء، ومن سره أن ينظر إلى الدنيا بحذافيرها فلينظر إلى المزبلة، بل إن مطعم ابن آدم قد جعل مثلا للدنيا فانظروا إلى طعام ابن آدم الذي يأكله، وإن قزحه وملحه إلى أي شيء يصير، ولقد شهد التاريخ الإنساني حكم كثير من الملوك عبر مراحله المختلفة.
ولا شك أن نفوذ هؤلاء الملوك ومدى سيطرتهم قد اختلف من ملك لآخر، فمنهم من حكم رقعة صغيرة محدودة كملوك حمير وسبأ في الجزيرة العربية، ومنهم من بلغ ملكه آفاقا واسعة من العالم، وجاء في الأثر أن أربعة من الملوك قد استطاعوا أن يحكموا رقعة واسعة من العالم، وكان لهم نفوذهم الكبير، وأثرهم العظيم في المشهد السياسي في أزمانهم، وسمي هؤلاء الملوك بملوك الأرض، ومن هؤلاء الملوك ملكان مسلمان وهما نبي الله سليمان بن داوود عليهما السلام، وذو القرنين، أما الآخران فهم كافران وهم بختنصر، والنمرود بن كنعان، وقد ذكر ذلك ابن الطبري في تفسيره عن ابن عباس، وكما ذكره ابن تيمية عن ابن مجاهد مع إضافة أنه سيكون هناك ملك خامس يملك الأرض، وهو المهدي المنتظرعليه السلام الذي يخرج في آخر الزمان.
ليملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، ولقد كان الملك صدقيا بن يوشيا هو آخر ملوك يهوذا الذين عرفهم التاريخ، وصدقيا إسمه باللغة العبرية معناه الله عادل هو أخر ملك لمملكة يهوذا من سلالة داود، واسمه الحقيقي هو متنيا، وقد خرج من أورشليم إلى السبى البابلى، ومهما يكن الإنسان قاسيا فى الحكم عليه، إلا أنه لا يمكن أن نودعه وهو يخرج من أورشليم إلا بالدموع والبكاء، فالرجل الذى لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، ويتم قتل أطفاله الواحد بعد الآخر أمام عينيه، ثم تقلع عيناه هو بعد ذلك ليبقى هذا المنظر آخر مناظر الأرض التى تعيش فى خياله طوال فترة حياته فى السبى حتى يموت فى بابل، لابد أنه بكى بكاء مريرا وعميقا كلما عاد بخياله وتفكيره إلى الماضى التعيس المحزن الأليم، على أنه مهما تكن النكبة التى حلت به قاسية.
فهى لا شئ إزاء النكبة التى حلت بمدينة أورشليم قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، وقد تولى الملك صدقيا الحكم في حوالى سنة ستمائة قبل الميلاد وكان ذلك بعد حصار القدس أي بعد السبي البابلي الأول، وسلالة داود تلفظ باللغة العبرية ملخوت بيت داود والتي تعني ذرية داود والذين خلفوه في الحكم من الملك سليمان وثم سلالة حكم مملكة يهوذا إلى آخر ملك منهم، وهو الملك صدقيا والتي انتهت حكمها في سنة خمسمائة وسبعة وثمانين قبل الميلاد، بعد أن أسقطها البابليين وكانت عاصمتها أورشليم وقد خرج من هذه السلالة يسوع بحسب العهد الجديد في الكتاب المقدس، وتأسست الملكية اليهودية من سلالة داود حوالى سنة ألف ومائة تقريبا ما قبل الميلاد وقد انتهت بخلع صدقيا آخر ملوكهم وكانت مدتها خمسمائة وتسع سنوات.