مقال

الدكرورى يكتب عن آخر ملوك يهوذا صدقيا بن يوشيا “جزء 8”

الدكرورى يكتب عن آخر ملوك يهوذا صدقيا بن يوشيا “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع آخر ملوك يهوذا صدقيا بن يوشيا، وإن من يرتكب الفسق والفجور يمكن أن تغفر خطاياه ، أما أن يفكر الإنسان فهذا ذنب، وأن يسأل هذا أو ذاك الأسئلة عن المعتقدات فأبواب الجحيم تفتح له، وقد حق القول الإلهى فى هوشع، قد هلك شعبى من عدم المعرفة، وطريق الهلاك دائما مفتوح أمام أولئك الذين يهملون الكلمة الإلهية أو يطرحونها خلفهم، وكما أن معرفة الله والتعلق به والشركة معه تضحى فى مثل هذا الجو نادرة وغريبة، حيث يجرى الإنسان وراء الحياة العالمية إلى أن يأتى الطوفان ويقتلع كل شئ، وهكذا كان الحال والنهاية تقترب من يهوذا بأسرع ما يتصور الخيال، وكان تحالف صدقيا مع مصر وصور وغيرهما للوقوف فى وجه نبوخذ نصر، وأرسل صدقيا إلى إرميا يسأله مشورة الله، وكان الجواب.

 

هكذا قال الرب إله إسرائيل هكذا تقولون لملك يهوذا الذى أرسلكم إلى لتستشيرونى، ها أن جيش فرعون الخارج إليكم لمساعدتكم يرجع إلى أرضه إلى مصر ويرجع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة ويأخذونها ويحرقونها بالنار، وهكذا قال الرب لا تخدعوا أنفسكم قائلين إن الكلدانيين سيذهبون عنا لأنهم لا يذهبون لأنكم وإن ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم وبقى منهم رجال قد طعنوا فإنهم يقومون كل واحد فى خيمته ويحرقون هذه المدينة بالنار، فإذا أضفنا إليه نبوة وقد كان معاصرا لإرميا أو أسبق قليل، وكان حبقوق وإرميا وطنيين من الطراز الأول، وقد عبر الأول بجزعه وفزعه وصرخته إلى الله عما سيفعل الكلدانيون، وعبر الثانى بأحزانه ودموعه ومراثيه، عن مأساة بلاده وخرابها وضياعها، لكنهما مع ذلك اتفقا بدون أدنى ذبذبة.

 

 

على المصير الذى سيلحق بهذه البلاد، واتفقا على بطلان التحالف مع مصر أو غير مصر، لأن الأمر مقضى به من الله، فهو الذى أقام الكلدانيين، وهو الذى جعلهم أمة هائلة ومخوفة، وقيل فى الكتاب المقدس” خيلها أسرع من النمور وأحد من ذئاب المساء وفرسانها ينتشرون، وفرسانها يأتون من بعيد ويطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل ” وقد حدث هذا فعلا، إذ أن جيوش الكلدانيين انطلقت فى غزوها الرهيب فهزمت آشور، وفرعون نخو، فى موقعة كركميش المشهورة، فإذا تصور اليهود أن الكلدانيين سيرجعون عن أورشليم لأن المصريين عادوا مرة أخرى لمناوأة الكلدانيين، ولأن بعض المتاعب واجهت نبوخذ نصر فى الداخل فتراجع عن أورشليم بعض الوقت، مما شجع صدقيا والقادة على التمرد والتحالف مع مصر.

 

فإن كلمات إرميا بددت وهمهم هذا، وكشفت أن الرجوع وقتى، وأن أية بقية من جيش الكلدانيين ستطوح بالأمة، وتنزل بأورشليم الدمار والضياع، فالأمر ليس أمر القوة فى حد ذاتها، وهل هى كبيرة أو صغيرة وهل الجنود أقوياء أم منهكون من الجراح التى ألمت بهم فإن الأمر أعمق وأقسى وأجل إنه أمر الخطية التى ضيعت الأمة، ولم يكن نبوخذ نصر سوى المعول الذى سيستخدمه الله فى هدمها ولعل هذا يمثل الفرق الواضح بين ثبات الحقيقة الدينية، وتذبذب الفكر السياسى، وكان صوت الأنبياء واضحا كالسيف القاطع البتار، وكان فكر السياسة متأرجحا مليئا بالوهم والخيال والظن، زكانت الحقيقة الدينية المعلنة متكاملة أمام ذهن النبى الذى يستمد نبوته من الله العالم بكل شئ والقادر على كل شئ.

 

وكان الفكر السياسى مرتبطا بالمنظور الذى يتغير بين لحظة وأخرى، ولو أن صديقا كان دارسا للتاريخ لأدرك هذه الحقيقة بعمق، ولكنه كان أعمى البصيرة، قبل أن يصبح أعمى البصر، ومن أيام موسى حتى يومه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى