الذاكرين لله والخائفين مقامه.

الذاكرين لله والخائفين مقامه.
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن الخشية من الله عز وجل هي خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخشى منه وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، أهو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال “لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه” وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية” وقال “إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، وبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ”
وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه “يا ليتني كنت شجرة تعضد” فأقل شيء في المؤمن أن يخاف فإذا ارتقى فسيكون ممن يخشى الله أي يخاف عن علم ومعرفة فإذا ارتقى وسمى بنفسه أكثر فإنه سيخاف عذاب الله وهو عالم بقدره محب له فإذا ارتقى أكثر من ذلك فسيكون من المقربين الوجلين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم الله، إلى يوم القيامة، ترعد فرائصهم من مخافة الله، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم، وقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك” والشياطين يخافون، لكن خوفهم استهزاء بالكبير المتعال، يقترفون الرذائل عامدين متعمدين ثم يقرون بالخوف دون توبة أو رجوع وقال تعالى “كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين”
فهو الذي يأمر بالفحشاء والمنكر، ثم ينكر على الفاعل معللا ذلك بالخوف من الله عز وجل، والناس قسمان، قسم متمرد يخاف خوف الشياطين، وقسم وجل يخاف خوف الملائكة، فمن خاف خوف الملائكة فهو الذي صعد بنفسه إلى سمو الملائكية ورفعتها، ومن خاف خوف الشياطين فقد تدنى إلى شهوانيته فأطاعها وأتبع نفسه هواها، ثم إذا سألته قال إني أخاف الله وأعلم أنه شديد العقاب، وقال تعالى على لسان من سمى بنفسه إلى مكانة الملائكية بالخوف الدافع إلى الخضوع لأوامر الله ونواهيه ” لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين” إنهم الذين يقدمون الخير ويبادرون إلى الصالحات خوفا وطمعا، حيث قال تعالى ” إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا”
إنهم قوم يخافون مقام ربهم فلا يقترفون ما نهاهم عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين ينعمون بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ” ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله” أما المتمردون الخائفون خوف الشياطين، فهم الذين يقترفون الرذائل والمنكرات ولا يتذكرون الله ولا يخافونه إلا وقت الشدة والمحنة وكما أن الجنة درجات والنار دركات فإن الناس متفاوتون في المقامات، وليس كل مؤمن يخاف، نعم ليس كل أهل الإيمان يخافون بل منهم من يخاف الله ومنهم من يخشاه ومنهم من يوجل ومن يهاب الله وبينهم فروق جوهرية حقيقية فلا ترادف بينهم وإن كان المشترك بين الجميع والدافع لكل هذا هو ما استقر في القلب من الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.