مقال

أصل الحياة الطيبة ” جزء 3″

أصل الحياة الطيبة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع أصل الحياة الطيبة، وكذلك ينبغي أن يستعمل لمعرفة الصدق الأدلة وأقوال الثقات، فلو أخبر إنسان بشيء، فنأتي بالشهداء المعروفين بالصدق، فإن أقروا ما قاله قبل قوله، كما قال البخاري رحمه الله “باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، أي لو أن امرأة طلقها زوجها فعدتها ثلاث حيض، فلو حاضت في شهر ثلاث حيض تخرج من العدة، لكن ينبغي أن تثبت أنها حاضت في الشهر ثلاث حيض، ولذلك قال ولا يصدّق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض، لقوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن ” ويذكر عن علي وشريح “أن امرأة جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثا في شهر فصُدّقت، وقال عطاء “أقراؤها ما كان” وبه قال إبراهيم” رواه البخاري.

 

إذن، بعض أهل العلم يأخذون بذلك لكن بشرط أن تثبت هذا ممن يعرف حقيقة أمرها من الثقات، ولكن قيل أن هناك مسألة وهى أنها لو أنها أخذت دواء لإنزال الحيض، ثم أخذت دواء لرفعه، ثم أخذت دواء لإنزاله، ثم أخذت دواء لرفعه، ثم أخذت دواء لإنزاله، ثم أخذت دواء لرفعه، هل تخرج من العدة؟ فإن الإجابه لا، لأن هذا تلاعب وتحايل واضح جدا، وكذلك فإن الإنسان المسلم إذا اشتبه عليه أمر أخيه المسلم، فإن جاءه عنه خبر، فإنه يحمل أمر أخيه على أحسنه، وإذا كان هذا الأخ معروفا بالصدق قبلناه، والناس الذين وشوا به وتكلموا عنه إذا كانوا من المجهولين لا نقبل كلامهم، وقد جاء أناس ادعوا على الصحابى الجليل سعد بن أبي وقاص فقال عمر بن الخطاب لسعد رضى الله عنهما “لقد شكوك في كل شيء حتى الصلاة” قالوا لا يحسن يصلي.

 

قال سعد “أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو أن أجتهد ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر “صدقتَ، ذلك ظني بك” رواه البخاري، وهذا معروف بالصدق والمتهمون له مجهولون، أو معروفون بالفسق والكذب فلا يمكن أن نقبل قول الفاسق الفاجر في الثقة الصادق، وإن الصدق مع الله عز وجل تظهر حقيقته في الخوف من الله باطنا وظاهرا، فتكون الحركات والسكنات والتصرفات والتوجهات والإرادات والأعمال والأقوال كلها محكومة بأمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، محاطة بسياج المنهج القرآني والهدي النبوي، مراد بها وجه الله، لا تخالطها أهواء نفسية، ولا تخالجها مصالح شخصية، ولا تحكمها نزعات دنيوية، ولا توجهات شخصية، بل الحكم في المنشط والمكره.

 

والمرجع في العسر واليسر، والمرد في الرخاء والشدة، تحقيق شرع الله، وامتثال أمره، وسواء كان ذلك مع الصديق أو مع العدو، أو مع القريب والبعيد، أو مع الغني والفقير، ويقول أبو بكر الصديق رضى الله عنه “لا خير في قول لا يريد به صاحبه وجه الله” ويقول خالد بن الوليد رضي الله عنه “رحم الله عمر، إن أقواله وأفعاله كلها مراد بها وجه الله” إنه الصدق الذي تضمحل معه حظوظ النفوس ومشتهياتها، ففي قصة سقيفة بني سعد، بعد أن اختار أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وأبا عبيدة ليبايعا، قال عمر “والله ما كرهت من قوله إلا ذلك” ثم قال “والله لأن أقدّم فأضرب فيُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم، أحب إلي من أن أتأمر على قومٍ فيهم أبو بكر” ثم قال “ابسط يدك”، فبايعه ثم بايعه المهاجرون والأنصار، إنه الصدق الذي حدا بالإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه.

 

حينما قال أبو بكر في أثناء البيعة وطلب الاعتذار، قال له علي “والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يؤخرك؟” إنه الصدق الذي حدا بالأنصار أن يقولوا “نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ديننا” أي في الصلاة، وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نماذج رائعة في الصدق مع البارئ سبحانه وتعالى بفضل التربية النبوية، والمدرسة المحمدية، فقد ذكر ابن حجر رحمه الله “أن سعد بن خيثمة استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد، فقال له أبوه يابني آثرني اليوم، فقال سعد يا أبتى لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه، فقتل بها سعد وقتل أبوه بعد ذلك خيثمة يوم أحد” وكل ذلك بسبب الصدق مع الله عز وجل فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى