مقال

أسواق النخاسة البيضاء

جريدة الأضواء المصرية

أسواق النخاسة البيضاء 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله المحمود على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله جبله ربه على جميل الفعال وكريم الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، ثم أما بعد إن المملوك جمعه مماليك وهو العبد الذي سبي ولم يملك أبواه، والعبد القن وهو الذي ملك هو وأبواه، والمملوك عبد يباع ويشترى، ولم تلبث التسمية أن إتخذت مدلولا اصطلاحيا خاصا في التاريخ الإسلامي، إذ اقتصرت، منذ عهد الخليفة العباسي أبو العباس عبد الله المأمون، ثُم أبو إسحاق محمد المعتصم بالله على فئة من الرقيق الأبيض، كان الخلفاء وكبار القادة والولاة في دولة الخلافة العباسية، يشترونهم من أسواق النخاسة البيضاء لإستخدامهم كفرق عسكرية خاصة. 

بهدف الإعتماد عليهم في تدعيم نفوذهم، وأضحى المملوك، مع مرور الوقت، الأداة العسكرية الوحيدة في بعض الدول الإسلامية، وكان مصدرهم، آنذاك، بلاد ما وراء النهر وإشتهرت مدن سمرقند وفرغانة وأشروسنة، والشاش وخوارزم، بأنها المصادر الرئيسية لتصدير الرقيق الأبيض ذوي الأصول التركية، وتم ذلك بإحدى الطرق الثلاث الشراء أو الأسر في الحروب أو الهدايا التي كان يؤديها ولاة أقاليم بلاد ما وراء النهر على شكل رقيق إلى الخليفة، ويبدو أن الخليفة المعتصم هو أول خليفة اعتمد، بشكل أساسي على العنصر التركي، نظرا لمقدرتهم القتالية المميزة، حتى أضحى الحرس التركي يمثل دعامة من دعائم الخلافة أيام حكمه، فإقتناهم منذ أن كان أميرا فكان يرسل سنويا من يشتري له منهم، حتى إجتمع له في أيام المأمون زهاء ثلاثة آلاف. 

ثم تولى الخلافة في ظل ظروف من الصراع العنيف بين العرب من ناحية والفرس من ناحية أُخرى بالإضافة إلى إختلال في التوازنات بين العناصر التي تكونت منها دولة الخلافة العباسية، فلم يثق المعتصم بالفرس نظرا لسوء العلاقة بينهم وبين بني العباس منذ إنتقال المأمون من مرو إلى بغداد وإستحالة التوفيق بين مصالح الطرفين، ولم يثق بالعرب أيضا نظرا لكثرة تقلبهم واضطرابهم وقيامهم ضد الخلفاء، بالإضافة إلى أن هؤلاء فقدوا كثيرا من مقومات قوتهم العسكرية والسياسية في ذلك الوقت، حملت هذه المعطيات، الخليفة المعتصم على أن يوكل أمر سلامته الشخصية إلى فرقة من العنصر التركي، فاستكثر من شراء الترك بهدف الحد من النفوذين العربي والفارسي، حتى بلغت عدتهم ثمانية آلاف مملوك، وقيل ثمانية عشر ألفا، وخصهم بالنفوذ، وقلَدهم قيادة الجيوش، ومكنهم في الأرض. 

وجعل لهم مركزا متفوقا في مجال السياسة، وسرعان ما نمت قوتهم، فأخذوا يتدخلون في شُؤون الخلافة، حتى أمست دولة الخلافة العباسية في أيديهم، يفعلون ما يريدون، يعزلون خليفة ويولون آخر، حتى أن بعض الخلفاء قتلوا نتيجة مؤامراتهم، وأضحى العنصر التركي ركنا هاما في المجتمع الإسلامي منذ العصر العباسي الثاني، فقامت الدويلات المستقلة ذات الأصول التركية والفارسية في كنف دولة الخلافة العباسية بعد أن دب فيها الضعف، وغدا الترك وسيلة الخلفاء للقضاء على هذه الحركات الإستقلالية، خاصة عمال وولاة الأطراف الذين استقلوا بولاياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى