“الحرَيديم” هو تيار ديني من اليهود المتشددين، اشتُق اسمه من كلمة “الحرَيدي”، التي تعني “التقيّ” بالعبرية. يعتبر الحرَيديم أنفسهم من الأصوليين المحافظين على الديانة اليهودية، من خلال التزامهم بتعاليم التوراة، وتطبيق الطقوس الدينية في حياتهم اليومية. فتجدهم يكرسون حياتهم للدراسة بالمعاهد الدينية، والصلاة في المعابد ثلاث مرات يومياً، وتخصيص يوم السبت لدراسة التوراة، ويلتزم رجالهم بزي موحد وهو البذلة السوداء الطويلة، والقبعة السوداء، ويطلقون لحاهم، التي يتدلى منها خصلات من الشعر المقطوع.
يعرف الحرَيديم بالتشدد والتعصب لمبادئ التوراة، وبرفضهم الانفتاح على الثقافة الغربية، وقيم العلمانية، والنظم الديمقراطية كأساس للحياة السياسية والاجتماعية، استناداً على أن التوراة هي المصدر الوحيد للتشريع، وإدارة الحياة العامة للشعب اليهودي، لذا تجدهم يوظفون نفوذهم السياسي من أجل فرض التعاليم الدينية على الحياة اليومية للإسرائيليين.
تعارض عائلات الحرَيديم مبدأ تحديد النسل، لذا تتزايد أعدادهم، ليشكلوا 13٪ من سكان إسرائيل، مع توقعات بوصول ذلك الرقم إلى 19٪ بحلول عام 2035. ينتظم معظم الذكور في المدارس الدينية حتى سن الأربعين، ولا يشاركون ضمن القوى العاملة في المجتمع الإسرائيلي، ولا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بدعوى أن الحفاظ على الهوية الدينية لإسرائيل لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية، فضلاً عن أن أسلوب حياتهم المتشدد، الذي يمنع الاختلاط بين الجنسين، يتعارض مع الأعراف العسكرية الإسرائيلية، التي يتم فيها تجنيد الذكور والإناث.
فمنذ إعلان دولة إسرائيل في عام 1948، عاملهم أول رئيس وزراء، ديفيد بن جوريون، معاملة خاصة، بالإعفاء من التجنيد الإجباري، باعتبارهم ركيزة استمرار دراسة تعاليم الديانة اليهودية، كما تُركت قوانين الأحوال الشخصية في يد زعماءهم، الذين منعوا، على سبيل المثال، الزواج المدني، وقصروه على الزواج وفقاً للتعاليم الدينية. وفي عام ٢٠١٨، أبطلت المحكمة العليا قانون إعفاءهم من الخدمة العسكرية، وتم تعليق القانون لحين توصل الكنيست إلى قواعد جديدة في هذا الشأن.
وتشير الأوضاع الداخلية في إسرائيل، إلى تصاعد الصراع، منذ فترة، بين الحرَيديم وبين القوى العلمانية، بسبب قوانين الأحوال الشخصية، واشتد الصراع، حالياً، مع تصاعد أعمال القتال في غزة، التي أظهرت حاجة الجيش الإسرائيلي لدعم صفوفه بعناصر جديدة من الشباب، ومطالبات المعارضة بضرورة تجنيد الحرَيديم، إعمالاً لمبدأ المساواة في توزيع الأعباء، بدلاً من إضافته إلى أولئك الذين يخدمون بالفعل.
وهنا ثارت عناصر الحريديم، الذين يمثلون جزءاً حاسماً من الائتلاف اليميني الحاكم، ودعوا جميع الأحزاب الدينية للتصويت على رفض تجنيد شباب الحريديم في الجيش الإسرائيلي، ومنع ملاحقتهم واعتقالهم. كما هددوا بإسقاط حكومة نتنياهو، حال عدم تمديد قرار إعفاءهم من التجنيد. وأصبح نتنياهو في مشكلة، فمن ناحية وافق على مطالب اليمين المتطرف باستمرار الحرب على غزة، ومن ناحية أخرى عجز عن سد الاحتياجات الإضافية للجيش للاستمرار في تلك الحرب، وهو ما دفعه لإعداد مشروع قانون لتقديمه للكنيست.
ومنذ أيام قليلة، تلقت المعارضة الإسرائيلية صفعة سياسية، بعدما صوت 61 نائباً بالكنيست، مقابل 52، ضد مقترحها بإجراء انتخابات مبكرة، بما يؤكد على الهشاشة المتزايدة داخل الائتلاف الحاكم، واتساع الفجوة بين الأحزاب الدينية والقاعدة العلمانية، خاصة فيما يخص التجنيد الإجباري للحريديم، ليفوز نتنياهو بستة أشهر في عمر حكومته اليمينية المتطرفة!