مقال

قافلة كسر الحصار تفضح المؤامرة على فلسطين ومصر

بقلم: ناصر السلاموني
ربما يتوهم البعض أن القافلة التونسية التي خرجت لكسر الحصار عن غزة جاءت لإحياء الضمير العربي، وكسر جدار الصمت المفروض على القطاع، ولتكون صرخة في وجه التواطؤ العالمي، ورسالة إعلامية في وجه التعتيم، ورمزًا لتحرر الموقف العربي الرسمي. لكن الحقيقة تختلف تمامًا، فالقافلة تحمل بُعدًا آخر خفيًا، يهدف إلى إحراج الدولة المصرية، وجرّها إلى صدام مباشر مع إسرائيل بأي وسيلة.
لقد تبنّت جهات دولية ومنظمات مشبوهة تمويل الحملة ودعمها بكل ما لديها من أدوات إعلامية مرئية ومقروءة وإلكترونية، لتغليف المشهد بقالب إنساني مثالي، وتهيئة تفاعل شعبي عربي صاخب ، حتى تصل القافلة إلى الحدود المصرية، وتبدأ فصول خطة شيطانية مدروسة مسبقاً بعناية ضمن مخطط شيطاني خبيث.
التوقيت لم يكن عشوائيًا، بل جاء متزامنًا مع تحركات احتجاجية في بعض العواصم الأوروبية والأمريكية، لتبدو القافلة جزءًا من موجة عالمية لدعم فلسطين. لكن من المهم التذكير هنا لمن في القافلة بمشهد سياسي آخر، يكشف طبيعة المواقف ألا وهو مؤتمر القمة العربية الأخير، الذي لم يحضره سوى خمسة من أصل اثنين وعشرين قائدًا عربيًا بل لم يستمر الخامس فلم يكمل المؤتمر، بينما غاب الباقون امتثالًا لتوجيهات البيت الأبيض، الشريك الأول للاحتلال، ومن بلد غاب رئيسها عن القمة انطلقت القافلة التي تدّعي دعم فلسطين.
واقول لمن في القافلة كيف يمكن لعاقل أن يُصدّق أن أولئك الذين غابوا عن القمة “لظروف طارئة”، هم أنفسهم من استقبلوا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب استقبال الملوك؟!أليسوا هم من صافحوا أيدي من تلطخت بدماء أطفال فلسطين؟!أليسوا من وقعوا اتفاقيات شراكة اقتصادية وأمنية وعسكرية مع الكيان الصهيوني؟!
لقد أنفق بعض حكام العرب مليارات الدولارات على بناء القواعد الأمريكية في أراضيهم، بينما يُترك شعب فلسطين يبحث عن قوت يومه، وطلابه يتكدسون في المدارس، وعاطلوه يتجولون بلا أمل، ويُحاصرون حتى الموت جوعًا أو رصاصًا!
لقد كشفتم بقافلتكم عن مفارقة صارخة:
الأنظمة العربية الرسمية تُتاجر بالغضب الشعبي عبر التصريحات، بينما تشتري رضا العدو بالصمت والتطبيع.
في المقابل، ينهض شعب مصر، بقيادته وإعلامه الحر، ليقف سدًّا منيعًا أمام هذه المخططات، مدافعًا عن بوابة الأمة الشرقية، رافضًا كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتفريغها من جوهرها، ومن قدسها، ومن دمائها.
فالمؤامرة على فلسطين الآن ماهى إلا وجهًا آخر لمؤامرة أكبر على مصر.
فقد حوصرت مصر من حدودها الغربية عبر ليبيا، والجنوبية عبر السودان، و تم تهديد أمنها المائي عبر سد النهضة، كل ذلك لم يكن إلا استكمالًا لمشروع تقسيم الشرق الأوسط، وضرب مركز الثقل العربي الوحيد المتبقي… مصر. فمصر هي العقبة الصلبة الوحيدة أمام مشروع “إسرائيل الكبرى”.
وفي الوقت الذي تُمحى فيه فلسطين من المناهج الدراسية، وتُمنح الجنسية الخليجية والمغربية لليهود ليظهروا كعرب زائفين، وتُعاد صياغة الوعي العربي، تقف مصر لتُعيد كتابة التاريخ الحقيقي بمواقفها الراسخة، رافضة تزييف الوعي، و رافضة الانصياع وخداع أبنائها بشرذمة من المرتزقة
فيا من تتباكون على فلسطين أمام الكاميرات…
ألم تكونوا أنتم أول من عزل مصر عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد؟!ألم تتهموها بالخيانة آنذاك؟
واليوم، أنتم من يُدخل إسرائيل إلى مناهجكم ومدارسكم وقصوركم وجيوشكم وأسواقكم!
أي نفاق هذا؟!
أي انبطاح هذا الذي يُدمّر الأمة من داخلها؟!
إن الذين قادوا الحملة ضد مصر في الماضي، هم أنفسهم اليوم أول المطبّعين، وأسرع المنفتحين على تل أبيب. منهم من عقد شراكات اقتصادية موسّعة، ومنهم من وقّع اتفاقيات أمنية، ومنهم من منح الجنسية للصهاينة، ومنهم من فتح الأسواق لبضائع الاحتلال.
وليس هذا كله ارتجالًا سياسيًا، بل تنفيذ دقيق لمخطط “إسرائيل الكبرى”، الذي يسير بخطى واثقة نحو الهيمنة الكاملة فسوريا قُسمت، ولبنان مُخترق، واليمن مُدمَّر، والسودان انفصل، وليبيا أُضرمت فيها الفتن، والخليج كله به أكبر قواعد أمريكية والبحر الأحمر مهدد، وسد النهضة تم تمويله عربياً لمحاصرة مصر مائيًا.
لهذا، لم تكن القافلة التونسية محاولة إنسانية لنصرة غزة، بل جزءًا من مؤامرة كبرى ضد مصر وفلسطين معًا، تستهدف دور مصر المركزي، لأنها الدولة الوحيدة التي ما زالت ترفع راية الكرامة وتُدافع عن قضايا الأمة دون مقابل.
فهل تستفيق الشعوب العربية من مخدرات ذهنية وضعتها قاداتها لهم قبل فوات الأوان؟
هل يدرك المواطن العربي أن بعض من يدّعون نصرة فلسطين، هم من يحاصرونها سياسيًا واقتصاديا من بوابات أخرى؟!
مصر التي لم تُبع ، وقلبها ما زال نابضًا بالعشق لفلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى