القصة والأدب

جاسوسية مقنّعة

جريدة الأضواء المصرية

جاسوسية مقنّعة
**
الجيرة، كم تكون رائعة… لو خلت من التجسّس!

بعد منتصف الليل، رنّ جرس منزلها.
لم تستغرب، فقد كانت تعلم مسبقًا بالقادم .
فتحت الباب، فإذا بجيرانها، الرجل وزوجته، يفتحان بابهما ربع فتحة.
رأس الزوج بالأعلى، ورأس الزوجة تحته مباشرة، كأنهما يصنعان من الفتحة كاميرا بشرية!

قالت لهما:
ــ مساء الخير.
بينما هما يردّان التحية على الزائر… ابنها.

سلّم عليهما، تمنّى لهما ليلة سعيدة، قبّل والدته، ودخل منزل العائلة.

جلست تتسامر مع ابنها، جهزت له العشاء، وجهّز هو نرجيلته.
سهرًا، تسامرًا… أخبرها سبب تأخّره في مهمته، وغدًا، سيُكملها.

اعتذرت منه، دخلت لتُعدّ له سريره، ثم نامت.
ورغم تعبها، وثقل النعاس في عينيها، إلّا أن فكرها التحليلي اشتغل فجأة:

ما الهدف من تلصّص الجيران بهذه الطريقة الشائنة؟
لماذا راقبوهما خلسة؟ أهو الفضول؟ أم سوء الظنّ؟ أم… شيء آخر؟

تأرجحت أفكارها وتذكّرت موقفًا سابقًا:
جارتها كانت قد سألتها:
ــ هل أنتِ على صداقة مع الجيران في الطابق الثاني؟

حينها لم تستغرب السؤال، لكن فكرها تساءل:
كيف عرفت؟ هل كانت تراقبها؟ تتجسّس منذ زمن؟
علماً أنه لا توجد كاميرات ظاهرة!

ومع تلك الهواجس… أشرقت الشمس.

نهضت لتوقظ وحيدها كي لا يتأخّر عن مهامه.

لكن السؤال ظلّ يخز عقلها:

هل أمّ تلك الجارة كانت عاهرة، لتظنّ بجارتها المُسنّة وتراقبها هكذا؟
أم أمّ زوجها؟
أم هي نفسيّة مريضة، شكاكة، ظنّانة؟
أم… تفعلها هي، فتظن بالجميع مثل نفسها؟!

ثم، وهي تصبّ له القهوة، قالت في سرّها، دون صوت:
صحيح : حكمة قديمة ، من راقب الناس مات هما .
“دعهم يتقنون التجسّس، فأنا ما عشتُ إلا طاهرة…
لكن الطهارة، يا بُنيّ، لا تُرى بالعين، بل تُوزن بالعقل والضمير.”

ملفينا توفيق أبو مراد
عضو إتحاد ألكتاب اللبنانين
٢٠٢٥/٦/٣

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى