حوار

ابوصير والعصر العتيق

جريدة الأضواء المصرية

ابوصير والعصر العتيق 

        بقلم 

محمد ابراهيم الشقيفي 

قبل الحديث ، عن أهم حدث في هذا العام لكل كاتب وأديب ، ألا وهو الدخول إلى أعرق المباني بالقاهرة الخديوية ، عاصمة مصر ،

مبني ماسبيرو ، تحديداً الإذاعة المصرية ، وفى حوار شيق ، معلومة فى عزومة ، مع الإعلامية ،

الأستاذة أحلام ابونواره.

أتخيل ذاتي في مرآة الفخر ، دون غرور ، وأنا فى ثبات ، رغم أن قدمي تطأ مبنى الإذاعة والتليفزيون للوهلة الأولى ، أتحدث بخيال واسع ، عن أهم المعالم السياحية والأثرية ، والتراثية ،والمزارات الدينية ، بقريتنا الجميلة ، التي تشتهر ، بعدة أسماء قد تطورت ، عبر مراحل التاريخ ، بداية من أوزير ، ثم زوريس ، إلى أن بقت على شكلها الأخير ابوصير.

بإرادة الكاتب ، وثقة المولع بالآثار ، وإيماناً بأن حب الوطن كنز كبير ، أخوض فى حقل أثري كبير ، تجربة الحديث لأول مرة مع نفسي ، أحاورها قبل الخوض الفعلي ، فى حديث تسجيلي ، لا جدال فيه ، وقبل التطرق إلى الغوص في أعماق الشعور ، وشغف التراث ، فإن هناك العديد ، من ذات القري والمناطق التي تحمل إسم ابوصير ، بمحافظة متفرقة ، مثال بني سويف ، و الإسماعيلية وابوصير الملأ ، لكن البلدة المعنية ، هى ابوصير التي تبعد من ناحية الجنوب من اهرامات الجيزة ثمانية عشر كيلو تقريباً ، ومن شمال سقاره حوالي ثلاثة كيلومترات ، هى جزء لا يتجزأ من جبانة منف ، أول عواصم مصر الموحدة ، وهى تابعة لمركز البدرشين محافظة الجيزة ،

العشق الاثري لتراث ابوصير ، هو الذي جعل الباحث الأثري والمرشد السياحي ، الاستاذ عزمي سلامه ،

ينال على شرفها درجة الدكتوراه عن منطقة ابوصير ، وهو فذ فى الحديث عنها ، مولع بثقافتها وتراثها ، و فى هذا الصدد ، تناولها أيضا العالم الأثري المصري الكبير ،الدكتور عبدالحليم نور الدين ، فى كتابه آثار ابوصير ، متحدثاً باستفاضة ،عن أهرامات الأسرة الخامسة ، وهو يحكي بفصاحة قصة الحضارة المصرية.

وإن سلطنا الضوء ، عن الماضي والحاضر ، لوجدنا كما يحكي أهل السلف عن التراث ، مدى التطابق ، بغض النظر عن التطور الحديث ، فى مجال المناظر الطبيعية الخلابة ، وشكل الزراعة ، المستمدة ، من الشكل التقليدي ، للفلاحة الفرعونية القديمة.

نحن قرية عاشقة للتراث الشعبي ،

بها المعتقد المصري ، التي يعد رمزاً الغروب ، علامة الأبدية ، و أوزير هو معبود العالم الاخر ، ومجموعة الأواني الفخارية ، أهم ما يميز المنطقة الأثرية لتعلقها ، بالمعتقدات المصرية القديمة.

ابوصير وهى جزء كبير ، لا يستهان به يتبع جبانة منف ، تمتد حضارتها لأكثر من خمسة آلاف سنة ، والجدير بالذكر ، أن أن منطقة منف والجبانة جزء من التراث العالمي ، تضم ابوصير مقابر ملوك الأسرة الخامسة ( هرم ساحورع ، هرم الملك نفر اير كارع ) ابوصير مقر المعبود أوزير ، بها معلم دينية (سجن سيدنا يوسف عليه السلام)

وإن كان لا يوجد دليل أثرى على ذلك كما ذكر بعض الأثريين ، إلا أن هناك بعض الشواهد ترقي إلى مرتبة اليقين الحازم ، أن هذا المكان قد يكون قطعاً هو سجن سيدنا يوسف عليه السلام ، لاقترابه من قرية العزيزية ، والتى تعتبر عاصمة مصر الدينية والإدارية ، من عصر الأسرة الثانية عشر ، من الدولة الوسطى ، وكانت تعد المركز الرئيسي لصوامع الغلال، إضافة لوجود بقايا لقصر عزيز مصر فى تل عزيز ، وهى تبعد عدة كيلومترات بسيطة عن او زير ، وسجن سيدنا يوسف مزار دينى واثري ، يقع على حافة منطقة الظهير الصحراوي ، مساحته خمسة فى عشرة أمتار ، وارتفاعه مترين تقريباً ، 

عودة إلى مقر المعبود أو زير ، ونظرة غير سطحية ، وقراءة متعمة بإمعان شديد ، للغة المصرية القديمة التي كتبت بها بردية تورين ، والتي تحدثنا عن عظمة أجدادنا المصريين ، وخاصة الملك ساحورع ملك مصر ، الذي صد بحنكة عسكرية ، الهجمات القادمة علي غرب الدلتا من الصحراء الليبية ، وفى هذه البردية ، يظهر الإبداع والابتكار الحقيقي ، للفنان المصري القديم ، فى ترتيلة ذات أجراس موسيقية ، فى ترتيبه الأعداء ، ووصفهم بالجانب الشمالى ، حسب موقعهم الجغرافي ، الملك ساحورع قيد شيد هرم له بقرية ابوصير بارتفاع ثمانية وأربعين متر ،وبالمناسبة ظل حكمه ، اثنا عشر عاماً، وهو يحمل الرخاء فى قلبه ، مرسلاً رحلاته التجارية لآسيا دون انقطاع، إيماناً من ملك مصر وثاني ملوك الأسرة الخامسة ، بأهمية التبادل التجاري ، بين شعوب العالم.

ولو تطرقنا قليلاً ، للركاب الديني ، العارفين بالله ، لزهلنا ، وتوهمنا ، لو علمنا أن هناك مايقرب من إحدى عشر مقاما على حد علمي ، لأولياء الله الصالحين ، منهم سيدى خضير ، والعارف بالله سيدي ثابت البناني ، ومقام العارف بالله سيدي ابوطاحون ، ولا نملك فى ايدينا حقيقة جازمة عنهم ، سوى ما توتر إلينا ، وما وجدنا عليه السلف ، نحسبهم كذلك ، و لا نزكي أحد على الله ، ولا نجعل لله ندا ، ولكننى أحب الصالحين ولست منهم ، كما قال الإمام الشافعي.

وأهم ما يميز المنطقة الأثرية بقرية ابوصير ، فى العصر القديم والدولة الوسطى ، وحتى فى الدولة الحديثة ، معابد الشمس للملك او سر كاف والملك ساحورع ، على بعد ميل من الجزء الشمالي لابوصير ، وهى روائع تصل إلى سبعة معابد ، لا توجد إلا فى منطقتين ، تغمرها الشمس طوال الوقت ، مدينة الشمس ، و اوزير ، 

لكن لطبيعتها التي بنيت بها ، بالطوب اللبن ، فقد هدمت ، أما عن المجموعات الجنائزية ، أو ما يسمى الهرم المدفون فيه الملك ، فجمالها يكمن أنه رغم ، الانتقال الدولة من العصر القديم ، للدولة الوسطى ، إلا أن من روائع الجمال ، وجود الكهنة ، طقوسهم وشعائرهم ، بارزة ، فى اهتمامهم ، بالملوك الدولة ، وقدسية المكان.

ومن أهم الاكتشافات الحديثة فى منطقة ابوصير عام ٢٠٢٢ ، الكشف عن مقبرة الجنود الأجانب ، دليلاً على أول عولمة حقيقة في العالم القديم ، والكشف عن مقبرة الكاتب الملكي ، ويضم من الجبانة مقابر كبار المسؤولين والقادة العسكريين من الاسرتين السادسة والسابعة والعشرين.

نحن قرية عاشقة للحضارة المصرية القديمة ، البيت الواحد فيه ازدواجية ، لا تخلط المعايير ، ولا تكيل بمكيالين ، بل أحدهما أثري يعشق التراث ، والآخر يحب ثقافة الماضي والحاضر ، يقنن كل ماهو راقي ورائع ، يظهر مواطن الجمال ، لكل سائح يعشق الترحال، ابوصير تعني الجمال أى روح رع ، الملك نفر إركاع ، الذي شيد هرم غير مكتمل البناء ، مصطبة مدفونة ، ابوصير هى الفنان الذي أبدع فى وصف المعارك على الجدران المعابد ، وبكلمات على ورق البردي ، توثق لنا بمصداقية ، بسالة ملوك الأسرة الخامسة فى صد هجمات الطامعين ، لقد حكي التاريخ القديم عن المعبد الخيري للملك ني وسر رع ، الذي يحوي على أول صرف صحي عرفه التاريخ لتصريف مياه الأضاحي ، وذات الملك هو من شيد معبد أبو جراب في منطقة ابوغراب ، بقاعدة طولها مائة متر ، تحميه من الفيضانات بطريقة عبقرية ، ذات فتحات لإدخال الضوء ، نعم تستحق ابوصير أن تسلط عليها البعثات الأجنبية الضوء ، وأن تستعيد مجدها القديم ، فما زالت بقلوبنا او زير ، رغم اختلاف المسميات ، تبقي رمزاً الغروب ، ومنارة الروح ، و هالة من الضوء ، تنبثق منها عيون الحضارة، تروي ظمأ العشق كل جيل.

ابوصير والعصر العتيق
ابوصير والعصر العتيق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى