ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مره
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك رضينا بالله تعالى ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولا ثم اما بعد إن القبر ينادي علي إبن آدم ويقول ياعبد الله أرى لك الخيار في كل منزل تدخله أو تأبى دخوله، ولكني منزلك الذي لا فرار لك مني ولابد أن تدخلني، ودعني أصف لك نفسي، فإنك حينما تدخلني ستجدني حفرة ضيقة لا باب فيها ولا نافذة سوى الفتحة التي دليت منها فسبق رأسك جسدك في الدخول، وإذا أغلقت هذه الفتحة التي يجتهد أحب وأقرب الناس إليك في إحكام إغلاقها تحولت إلى حفرة مظلمة، وإذا أردت مثالا لذلك أدخل أفخم غرفة لديك في المنزل ثم أحكم إغلاق أبوابها ونوافذها وستائرها الحريرية وانظر للظلمة الشديدة التي تحل بالمكان وانظر للوحشة العظيمة التي تشعر بها.
هذا وأنت في غرفة واسعة مؤثثة، فمابالك بي وأنا حفرتك الضيقة، ولا تستطيع وأنت نائم فيّ أن تمد يدك لتضيء مصباح لأن ليس يي كهرباء ولأنك تدخلني جثة هامدة بلا حراك وقد أثبت هذه الظلمة وأخبرك بها رسولك صلى الله عليه وسلم، فلا أقل ياعبد الله من أن تغتنم ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبر، وتبحث عن جهاز تكييف فلا تجده فإنك لا تجد بي إلا رائحة العفن، وتبحث عن فراش فلا تجد، فتحتك إلا بقايا دهن جثث الموت الذين سبقوك لهذا المكان، ولا تسألني أين قصوري وأين فراشي وأين عطوري وأين سياراتي وأين زوجاتي وأين أبنائي؟ ولا تسأل فقد ودعوك عند خروجك محمولا على أعناق الرجال إلى منزلك هذا، ولقد تقاسم القوم أموالك وسياراتك وعماراتك ونكحت نساؤك ولقد أخذوا ثمرتها وبقيت عليك حسرتها، ألم تكن تتلوا قول العظيم القدير.
” ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مره وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ” أم أنك كنت تتلوه باللسان دون أن تتفكر فيه، فإن هنا ياعبد الله تسيل عيونك التي طالما حميتها من أشعة الشمس المحرقة وكم تركتها ترتع فيما حرم الله تعالي عليها من النظر الحرام، وهنا تنتفخ بطنك التي طالما ملأتها بأطيب الطعام والشراب ولم تبالي أأكلت من حل أم حرام، وهنا ياعبد الله يجري الدود في جسدك الناعم المترف الذي طالما حرصت على نعومته وجماله أفهمت ياعبد الله معنى ندائي اليومي لك حين أقول أن بيت الظلمة، وأنا بيت الوحشة وأنا بيت الدودان، فهذا ما أعددت لك فماذا أعددت لي؟ فيا عبد الله لقد أخبرك رسولك صلى الله عليه وسلم أن منظري هو أفظع المناظر وبكى من هولي ذو النورين عثمان، فيا عبد الله مالي أراك تجتهد في عمار دارك في الدنيا وتنساني كأنك لاتنتقل إليّ.
ياعبد الله فيّ فتنة عظيمة قريبة من فتنة الدجال حيثت يأيتك ملكان أسودان أزرقان في تلك الظلمة والوحشة والكربة ليسألانك ماربك؟ مادينك؟ ماكنت تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فإن كنت من أهل الإيمان والتقوى فقد وعدك الله بالتثبيت، حيث يقول تعالي ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ” وأما إن كنت من الصنف الثاني فإنه يقال لك لادريت ولا تليت وتضرب بمرزبة من حديد لو ضرب بها جبل من جبال الدنيا لأصبح ترابا، ثم إني بعد ذلك إما حفرة من حفر النيران وإما روضة من رياض الجنان وقد أعطاك ربك الخيار اليوم لتختار وأنت في الدنيا فإختر لنفسك قبل أن تمنع الخيار.