
ثلاثة أعمال عظيمة يستحق بها أصحابها الجنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله مصرّف الأوقات وميسر الأقوات فاطر الأرض والسماوات أهل الفضل والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا لعبادته ويسر لنا سبل الطاعات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة ويسير التشريعات، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات وأكرم البريات وعلى آله السادات وأصحابه ذوي المقامات والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرصات أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكلوا من الطيبات واعلموا الصالحات فاليوم حياة وغدا ممات، ثم أما بعد إن في ذكر الجنة وأوصافها وأهلها وما أعده الله فيها لعباده المؤمنين من الكرامة، والنزل العظيم والعطاء العميم، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يجعلني وإياكم ممن يقال لهم يوم العرض الأكبر ” ادخلوها بسلام آمنين ”
ولعل الحديث عنها والتلذذ بذكرها يكون حافزا على الصدق في طلبها، والرغبة فيها وتحقيق مراد الله منا، ليحصل لنا فيها النعيم المقيم، بجوار الرب الكريم، وننعم بالنظر إلى وجهه الكريم، لا سيما ونحن في شهر محرم وأبواب الجنة فيه مفتوحة، والخيرات ممنوحة، والعطايا متاحة، والنفوس قريبة، والقلوب رقيقة، فالحديث عن الجنة، لمؤمن الإنس والجن، من أعظم المرغبات، وأجمل اللحظات، وأجل المرغوبات، كيف لا وهو في شهر المغفرة والرحمة؟ ولذا قال من قال من السلف “عجبت لمن رغب في الجنة كيف نام طالبها؟” وذكر الله تعالي في سورة الرعد عن المؤمنين أنهم استحقوها بإعتقادهم أن ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، وبوفائهم بالعهود، وعدم نقضهم الميثاق، ووصلهم ما أمر الله بوصله، وخشيتهم لله، وخوفهم من سوء الحساب.
وصبرهم لله وإقام الصلاة، والإنفاق سرا وعلانية، ودرئهم بالحسنة السيئة، وفي مطلع سورة المؤمنون حكم تبارك وتعالى أن الفلاح إنما هو للمؤمنين، ثم بين الأعمال التي تؤهلهم للفلاح، وأعلمنا أن فلاحهم إنما يكون بإدخالهم الفردوس خالدين فيها أبدا، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أعمال عظيمة يستحق بها أصحابها الجنة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته ” وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال ” فالجنة درجة عالية، والصعود إلى العلياء يحتاج إلى جهد كبير، وطريق الجنة فيه مخالفة لأهواء النفوس ومحبوباتها، وهذا يحتاج إلى عزيمة ماضية، وإرادة قوية.
ففي الحديث الذي يرويه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” وللإمام مسلم رواية “حفت بدل حجبت ” وقال النووي في شرحه لحديث الإمام مسلم هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بإرتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بإرتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الإجتهاد في العبادة، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم، والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك “