
لا يمكن أن تستقر الحياة بدون الأمانة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إنه لا يمكن أن تستقر الحياة بدون الأمانة ففقدانها دمار وخراب وهلاك ومن علامات الساعة، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن” وضياع الأمانة دليل على فساد الزمان وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها سنوات خداعات.
وإنه لا تجوز خيانة الأمانة حتى مع الخائنين وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة وعدم خيانة الخائنين، فخائن الأمانة سوف يأتي يوم القيامة مذلولا عليه الخزي والندامة فيا لها من فضيحة وسط الخلائق تجعل المسلم يحرص دائما على الأمانة، فلا يغدر بأحد، ولا يخون أحدا، ولا يغش أحدا، ولا يفرط في حق الله عليه، وكما أن خيانة الأمانة من علامات النفاق، وقد توعدهم الله تعالى بأقسى العقوبة، وأسفل مكان في النار، وضرب الله لنا مثلا بامرأتين من نساء الأنبياء والرسل وقيل لهما ادخلا النار مع الداخلين بسبب الخيانة، أي خانتاهما في الدين، وكانتا تدلان أقوامهما بمن يؤمن مع أزواجهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أدي الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ” رواه أبو داود والترمذي.
وقد إختلف العلماء في الحكم على هذا الحديث فمنهم من صححه كالحاكم والذهبي وابن السكن، وابن تيمية وابن القيم، والشوكاني والألباني، ومنهم من ضعفه كأبي حاتم الرازي والبيهقي، وقال الشافعي ليس هذا بثابت عند أهل الحديث، ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجّة، وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه، وقال أحمد بن حنبل هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح، وقال العلامة ابن باز الأقرب عدم صحته لهذا تكلم فيه الأئمة، والحديث يحض على أداء الأمانة، وينهى عن خيانة الإنسان لمن خانه، وأنه لا يقابل الإساءة بالإساءة، والأولى والأحرى ألا يخون من لم يخنه، فإذا كان لي حق على إنسان وجحده وأنكره، أو إعترف به، لكنه إمتنع عن أدائه، ثم جاءت فرصة كي آخذ كل مالي أو بعضه من مال هذا الجاحد، فهل يجوز ذلك؟ هذه المسألة يعبر عنها عند العلماء بمسألة الظفر.
وهي أخذ الحق سرا أو خفية، يقال ظفر الشيء وظفر بالشيء فاز به وناله، حصل عليه، ويقال أظفره الله بعدوه، وأظفره الله على عدوه مكنه منه، وغلبه عليه، وقد إختلف العلماء في حكمها فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها، ولهم في ذلك تفريعات، فقيل ذهب الإمام ابن القيم إلى أنه لا يجوز للمظلوم أن يأخذ من مال من ظلمه، حتى إن كان هذا الأخذ بنفس قيمة الحق دون إعتداء فقال “إن كان سبب الحق خفيا، بحيث يتهم بالأخذ وينسب إلى الخيانة ظاهرا، لم يكن له الأخذ، وتعريض نفسه للتهمة والخيانة، وإن كان في الباطن آخذا حقه، وهذا القول أصح الأقوال وأسدها، وأوفقها لقواعد الشريعة وأصولها، وبه تجتمع الأحاديث.