الدكروري يكتب عن الجار الصالح والفاسد بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الأربعاء الموافق 31 يوليو 2024
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد، إن من أسباب الخلافات والمشاحنات بين الجيران اليوم هو قلة المشاركة العاطفية للجيران، فمن الناس من لا همّ له إلا خاصة نفسه، وما عدا ذلك لا يعنيه في قليل ولا كثير، ففرح الناس وحزنهم ومشكلاتهم لا تشغل حيزا من تفكيره، وتلك آفة سيئة، وأثرة قبيحة، وهي مع الجيران أسوأ وأقبح، فالجار الصالح من يعنى بشؤون جيرانه، فيشاطرهم أفراحهم، ويشاركهم أتراحهم، فإن نالهم الفرح فرح معهم، وزاد من أُنسهم، وإن نابهم ترح شاركهم في مشاعرهم، وواساهم، وخفف عليهم مصابهم، فإن ذلك دليل الإيمان، وآية المروءة.
فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والمؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأيضا قلة التفقد لأحوال الجيران، فمن الجيران من هو محتاج، ومنهم من قد ركبته الديون، ومنهم المرضى، ومنهم المطلقات والأرامل، وكثير من الناس ممن أعطاهم الله بسطة في المال أو الجاه، لا يتفقد جيرانه، ولا يسأل عن أحوالهم، وأيضا الغفلة عن تعاهد الجيران بالطعام فكم من الناس من يغفل عن هذا الأمر، فلا يتعاهد جيرانه بالطعام، مع أنه قد يصنع ما يزيد على حاجته، ثم يرمي باقيه في القمامة، مع أن من جيرانه مَن قد يبيت جائع لا يجد ما يسد جوعته، وهذا منافى لحق الجيرة، وأدب المروءة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع”
وأيضا قلة التهادي بين الجيران، فالهدية تجلب المودة، وتكذب سوء الظن، وتستل سخائم القلوب، فيحسن بالجيران أن يتهادوا فيما بينهم، وأن يتعاهدوا بالهدية الأقرب فالأقرب، فقد جاء في صحيح البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال ” إلى أقربهما منك بابا” وقال ابن حجر، وقوله أقربهما أى أشدهما قربا، وأيضا التكبر عن قبول هدية الجار، فمن الناس من يتكبر عن قبول الهدية من جاره، وذلك إذا كانت يسيرة قليلة، أو كانت من جار فقير أو وضيع، وهذا من الكبر المذموم، ومما يورث البغضاء والشحناء، وكذلك منع الجار ما يحتاج إليه عادة، فمن التقصير في حق الجار منعه ما يطلبه من نحو النار، والملح، والماء، ومن ذلك رفض إعارته ما اعتاد الناس استعارته من أمتعة البيت كالقدر، والدلو، والفأس، والصحفة.
والسكين، والقَدوم، والغربال، والفرش، ونحو ذلك، وقد حمل كثير من المفسرين الماعون في قوله تعالى كما جاء فى سورة الماعون ” ويمنعون الماعون”على هذه الأدوات ونحوها، وذلك أن فى منعها دليل لؤم الطبيعة، ودناءة النفس، وكذلك قلة الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم، فمن الناس من يستعير بعض ما يحتاج إليه من جيرانه، ولكنه لا يأبه بإعادة ذلك المستعار، وربما كان الجيران يحتاجون إلى ما أعاروه، وأيضا قلة المبالاة بدعوة الجار إلى الولائم والمناسبات، إما نسيانا، أو تهاونا، أو نحو ذلك، وهذا الأمر لا يحسن، فهو مما يوغر الصدر، ويورث لدى الجار الشكوك في جاره، فقد يظن أنه محتقر له، غير مبال به، فحري بالجار أن يحرص على دعوة جيرانه، خصوصا في المناسبات العامة، خاصة وأن الجار يرى المدعوين يتوافدون إلى بيت جاره.
وكذلك ترك الإجابة لدعوة الجار، فمن الناس من يدعوه جاره، ويستضيفه مرارا، ولكنه لا يجيب الدعوة، بل يكثر من الاعتذارات، ويحتج بكثرة المشاغل والارتباطات، وقد يكون صادقا فيما يقول، ولكن ذلك لا يعفيه من إجابة الجار في بعض الأحيان، وإلا فلا أقل من التلطف في الاعتذار حتى يقبل الجار، وكذلك قلة التناصح بين الجيران، فعن أبي رقية تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” الدين النصيحة ثلاثا” قلنا لمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم”