الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها قالت فتكلمت أنا، فقال أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة ؟ قلت بلى والله، قال فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بكي الملك في سرقة ” وهي قطعة ” من حرير، فيقول هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول إن يك من عند الله يمضه” وفي رواية ” أريتك في المنام مرتين” وذكر نحوه، رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية الترمذي ” أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه زوجتك في الدنيا والآخرة” فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد إن الحق ناطق ساحق ماحق، والباطل مخبط مخلط زاهق، فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة صنما، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ” جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” رواه البخارى، والحق وإن ناوأه المناوِئ، وكاد له الكائد، وحاول أن يمكر بأهله الماكر، وأراد أن يطمس صورته، فإنه سيأتي يوم يقول فيه من كان على ذلك الباطل ” الآن حصحص الحق ” وسيعترف بأنه كان على باطل وضلال.
فإن كلمة الحق كالمطر النازل من السماء، حيث تسيل به الأودية، وتفيض به العيون، وتسقى به الأرض بعد موتها، وينتفع بها الخلق منافِع شتى، وأما الباطل فلو كان كثيرا كثيفا، فمآله إلى زوال وسفال واضمحلال، وإن كلمة الحق ما كانت تقال لتقمع، بل لكي يظهر أثرها ويسطع، ويزهق الباطل ويقلع، ولئن ابتلى صاحبها فلا بد له من أصدقاء صدق يدافعون عنه، ولا يبقونه لظلم السجّان، ولا لطغيان السلطان، ولا لتجاهل الأصحاب والخلان، وتأمل في حالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان يعرض الإسلام على القبائل والوفود، ويطلب منهم نصرتهم، وذلك لأن كلمة الحق عزيزة، وصاحبها عزيز، فلا بد من نصرته وحمايته، فالحق لا بد له من قوة تحميه، وتزيح العقبات والعراقيل التي تواجهه.
وكلمة الحق ما هي إلا جرأة نفسية، وقوة داخلية، يدفعك إيمانك الصادق لكي تقولها، بكل ثبات وإباء، ورسوخ وشموخ، وانتماء لها واستعلاء، تشعرك بأنك حر في زمن كثر فيه العبيد، حيث انطلقت من عقال العبودية لساحة وباحة الحرية فهنيئا لك، وإن كلمة الحق تحتاج لأشخاص يقولونها ويقولون بها، ويثبتون عليها ولا يتراجعون عنها لأنها حق، والحق لا رجعة فيه، وكلمة الحق إن صدرت عن رجل أكبره الناس بها واحترموه وقدروه، فما بالك إن صدرت عن المرأة، فتحية كبيرة لنساء قائلات بالحق كن فيه أجرأ من الرجال، وكلمة الحق لها ضريبة اشتكى منها كثير ممن قالها، وهي بعد كثير من الناس عن قائلها، إما خوفا مما سيحصل لهم من أذى السلطان أو الناس، أو أن كثيرا من الناس لا يعجبهم الصدع بالحق لأن لسان حالهم كلسان حال من قال “ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين”