مقال

إتفق العرب على أن لا يتفقوا

جريدة الاضواء

إتفق العرب على أن لا يتفقوا

كتب / يوسف المقوسي

 

تصادف أو حدث بفعل فاعل عربي وأجنبي، أن تمدد نشاط ونفوذ تيارات دينية متطرفة حتى تمكنت من تولي السلطة في موقع أو آخر، تمكنت أيضا من النفاذ إلى مستويات عالية في قطاعات الإعلام العربي. ومن هناك استطاعت وبدرجات متفاوتة من النجاح خفض مستوى انتشار الخطاب العروبي لصالح خطاب “تصالحي” في جوهره وواقعي في بعض توجهاته وبعيد عن مفردات القومية في رسالته. في الوقت نفسه نجحت الثورة الإسلامية في طهران في إرساء قواعد لها في مواقع عربية مستغلة الوجود الطائفي والتوترات الناجمة عن علاقات الصلح مع إسرائيل وفي دول تعاني من فساد السياسة أو عدم الكفاءة في صفوف طبقات سياسية ناشئة أو في دول تتعرض شعوبها لموجات عنف وقمع بينما شعارات النظام لا تتوقف عن تمجيد القومية العربية كما في عراق الرئيس صدام حسين وفي ليبيا الأخ معمر القذافي.

 

كثيرا ما تعللنا بالأجانب سببا لتدهور حال العرب، ولم نكن دائما من الظالمين. كانت الغزوة الأمريكية للعراق سببا كافيا وحده لتبرير الأزمة الناشبة منذ ذلك الحين في الضمير العربي المشترك، أي الضمير الشعبي والضمير الحاكم أو المتحكم. نشبت أزمة في وقت سابق سميت بأزمة النكبة وهذه خلفت آثارا مباشرة على هياكل كثيرة في العالم العربي. ثم نشبت أزمات عديدة أخرى كلها خلفت آثارا، بعضها تناقض مع الآثار الأسبق حتى بدت وكأنها نشبت لتمحوها ليس فقط من الذاكرة العامة ولكن أيضا من الكراسات والمناهج وعقول الأطفال.

 

كل هذا وغيره انعكس على فكر وعمل المؤسسات الجماعية العربية في شكل أو آخر. حينا تبنت ما أطلقنا عليه الرومانسية القومية، أو القومية الرومانسية ولها نوعها من المؤسسات. وفي حين آخر تبنت طابعا مزدوج النوايا، نية ادعاء البطولة ونية امتصاص غضب الشعوب، كهذا اجتمعت الدول بتردد واضح على إنشاء اتفاقية الدفاع المشترك. وفي حين ثالث غضبت للنكسة غضبا عارما فأخضعت نفطها لشروط فارتفع سعره ارتفاعا جما وتغيرت حال العوائد والثروات فتبنت النية في إقامة مشروعات للتكامل الاقتصادي. هي بدون شك الفترة الذهبية للجامعة ولتجربة القومية الوظيفية. وعهدها قصير.

 

تباطأ الزمن على العرب. لم يعد العرب شيئا واحدا كما في كتابات السنوات الأولى لاستقلالهم. تفاوتت الدخول والسياسات. انسحب الفكر القومي من أغلب الساحات وبدقة أكبر انسحب تأثيره، حيثما وجد متناثرا، على صنع السياسة والقرار في العالم العربي. نذكر الآن كيف أنه في وقت من الأوقات كان في نظر الطبقات الحاكمة يمثل تهديدا مباشرا عليها وعلى الدولة القطرية الناشئة. ثم جاءت مرحلة أصبح الخطر الماثل الحقيقي هو القادم من عوامل انفراط القطر من داخله، من طوائفه وقبائله وأعراقه وثرواته ومواقع فقره المدقع. لا يمكن إنكار حقيقة أن فترة الانتماء القومي كانت أكثر رحمة بالدولة القطرية من فترات الانفراط الراهنة على اختلاف مسمياتها وزعاماتها وتحالفاتها الخارجية وتفاوتات ثرواتها وفقرها.

 

فشل الإعلام العربي في كثير من مهامه وأهمها لم الشتات. أو أنه لم يوجد عندما دعت الحاجة. أو أنه كما اعترف الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، محمود رياض، في وقتها. قال يوجد الإعلام حين توجد سياسة، لن تستطيع حشد ما تسمونه طاقات إعلامية لإنقاذ الأمة طالما بقيت دول الجامعة غير موحدة وراء سياسة بعينها. تغيرت توجهات الدول الكبرى فتعددت مواقف الدول الأصغر بتعدد هذه التوجهات. أمريكا لم تعد العملاق الذي لا يمرض ولا يخطئ. لم تعد أوروبا على استعداد لأن تبقى دائما دولا غنية تابعة. روسيا تريد استعادة بعض ما فقدت خلال سنوات الانفراط السوفييتي. والصين بزغت قوة عظمى بلا منازع حقيقي إلا أمريكا منافسا مخربا. عالم بسياسات متصارعة والعرب بلا سياسة ولا دليل أقوى من فشلهم في عقد قمة تضع سياسة. نعم عرب بلا سياسة وبالتالي بلا إعلام وبلا هدف وبمؤسسة إقليمية تركوها جوفاء بلا رسالة.

 

هناك أصوات كثيرة تجأر عالية. حاول أن تسمعها. في الغالب لن تفهم، فكلها تهتم بتفاصيل لن تهمك. انفرط الإعلام إلى فضائح وتطورات وحوادث وإنجازات فرعية، في مجموعها لا تستحق هذه الأصوات على علوها صفة الإعلام العربي، لم تعبر هذه الأصوات يوما عن إعلام عربي موحد والسبب بسيط. القادة العرب لم يقرروا بعد أن تكون لهم سياسة موحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى