مقال

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 2”

هارون الرشيد وحادثة البرامكة “جزء 2”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع هارون الرشيد وحادثة البرامكة، ويقول الطبري أما سبب غضبه عليه أي على جعفر الذي قتله عنده، فإنه مختلف فيه، ويقول المسعودي، واختلف الناس في سبب إيقاعهم بهم، ويقول أبو الفداء، وقد اتصف البرامكة بالكرم والسخاء، ونثروا العطايا في مواليهم ومداحيهم وأتباعهم، ماجعل المعدم منهم غنيا، ومدحوا بما لم يمدح به خليفة، وضربت بكرمهم الأمثال حتى قيل تبرمك فلان، وقد أشارت المصادر التايخية والأدبية إلى كرمهم، ومنها ما ذكر البيهقي أنه كان للبرامكة في هذا الشأن مالم يكن لأحد من الناس، ومنها أنهم كانوا يخرجون بالليل سرا ومعهم الأموال يتصدقون بها، وروى الجهشياري أن خالد بن برمك كان سخيا جليلا سريا نبيلا، كثير الإحسان، وأنه لم يكن لجليس خالد دار إلا بناها له، ولا ضيعة إلا وخالد ابتاعها له، ولا ولد إلا وخالد ابتاع أمه إن كانت أمة.

 

أو أدى مهرها إن كانت حرة، ولا دابة إلا وخالد حمله عليها، إما من نتاجه أو نتاج غيره، وعلى ذلك نشأ ولدي يحيى، وهم جعفر الذي كان جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه أشهر من أن يذكر وأبين من أن يظهر، والفضل الذي كان من كرام الدنيا وأجواد أهل عصره، وقد اقتدى بهم جميع أفراد الأسرة البرمكية، فعينوا الرواتب لأصحاب الحاجات وغمروا الشعراء بهذايا سخية، حتى فاقوا الخلفاء في مجال الكرم، وقد اختلف في سبب ذلك اختلافا كثيرا، وقال ابن كثير وقد اختلف في سبب ذلك، ويقول ابن خلكان وقد اختلف أهل التاريخ في سبب تغير الرشيد عليهم، أما ابن الطقطقي فقال اختلف أصحاب السير والتواريخ في ذلك، وإن الناس في كل زمان ومكان ينقسمون إلى قسمين، فهم قسم يميلون مع الريح كيف تميل، حيث أن لهم قدرة على شمّها من أين تأتي، فهم يتجهون معها كلما هبّت من ناحية.

 

لا بأس أن يتجهوا في الصباح اتجاها وفي المساء اتجاها آخر مناقضا، لا يحركهم إلا ترقبهم لمصلحتهم الشخصية، فإذا قال رئيسهم أسود قالوا كما قال أسود، وإذا قال رأيسهم أبيض قالوا أبيض، لا يقمعهم ضمير، ولا تصدهم أخلاق، وقسم أخر وهو القليل مخلص وثابت علي وفاءة وإخلاصة، وثابت على مبدأة لا يتغير ويحتمل العذاب في سبيل ثباته، ليس عبدا للمال، ولكنه عبد للضمير، وقد كان هذا شأن الناس مع البرامكة، فمنهم من جحد فضلهم، وانقلب عليهم بمجرد أن أحسوا غضب الرشيد عليهم، أو تملقا للفضل بن الربيع لأنه كان يتوقع انتصاره، ويقول اليعقوبي إن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بن خالد بغير أمر متقدم، وإن أكثر الناس في أسباب السخط عليه مختلفون، وبحسب الروايات التاريخية، فقد شعر البرامكة بنكبتهم، لأنهم لاحظوا بأنفسهم أو بواسطة أناس آخرين.

 

زوال حظوتهم عند الخليفة وعدم الرضى عليهم، ومن ذلك ما سعى به علي بن عيسى عند الرشيد في أمر خراسان وطاعة أهلها للفضل، وأنه يكاتبهم ويعمل الوثوب به معهم، فحبسه الرشيد ثم أطلقه بعد تدخل أم الفضل بن يحيى في أمره، فكان ذلك أول ثلمة ثلموا بها، ويُروى أن الرشيد كان قد أمر بقتل يحي البرمكي وجميع ولده، فقام بحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم، وعقب أن أتاه خادمه برأس جعفر، قام بوضع الرأس على الجسر الأوسط، ثم قام بتقطيع الجثة إلى أشلاء ووضعها على الجسرين الأعلى والأسفل وكان جعفر قد تم قتلة عن عمر يناهز سبع وثلاثون عاما، في أول ليلة من شهر صفر لعام مائة وسبع وثمانين، وقد نكل بهم الرشيد تنكيلا قاسيا، فنفي منهم من نفى وقتل من قتل، وألبس الباقون ثوب الخوف والجوع، في قصص مروعة شهد عليها التاريخ.

 

ويقال أن أصول البرامكة تعود إلى المجوس أي الأفغان حاليا، وهم أهل شرف ينتسبون إلى ملوك الطوائف ذوي القدر العظيم، وكانوا يعبدون الأصنام، حتى سمعوا بالكعبة وشعائر الطواف حولها، وحال من يزورونها فقاموا بعمل معبد النوبهار الذي يضاهي قدسية الكعبة، فنصبوا حولها الأصنام وعبدوها، ومع بدايات دخول العهد الإسلامي، خاصة في فترة ولاية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، إبان فترة دخول العرب إلى خراسان، حيث أسلم من خرسان من أسلم واعتنق الدين عن اقتناع، فأدى هذا إلى شهرتهم إبان العصر الأموي، وبلغوا مكانة قوية في العصر العباسي، وخاصة في عهد هارون الرشيد، والبرامكة هى أسرة يعود أصلها إلى مدينة بلخ، وكانوا في الأصل مجوسا ثم دخلوا الإسلام، وهم ينتسبون إلى جدهم الأكبر برمك، الذي كان سادنا في أحد معابد المجوس ويسمى معبد النوبهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى