مقال

نفحات إيمانية ومع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى ” جزء 3″

بقلم/ محمـــد الدكـــروى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الفتنة الكبرى وموقف الأشتر النخعى، فيقول الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه إلى معاوية بن أبى سفيان فأنا أبو حسن قاتل جدك وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك السيف معي وبذلك القلب ألقى عدوي، ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيا، وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين وأما طلبك إليَّ الشام، فإنى لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما قولك ” إن الحرب قد أكلت العرب الا حشاشات أنفس بقيت” ألا مَن أكله الحق فإلى الجنة، ومن أكله الباطل فإلى النار، وأما استواؤنا، أي تعادلنا في الحرب والرجال، فلست بأمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا.

 

من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك ” إنا بنو عبد مناف ” فكذلك نحن ولكن، ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبدالمطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح أي ذو الحسب والأصل، كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمُدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم، وذكرت أنه ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار، متى ألفيت بني عبدالمطلب عن الأعداء ناكلين، أي هاربين، وبالسيف مخوفين؟ وأنا مُرقل، أي زاحف نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، وقد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك.

 

وما هي من الظالمين ببعيد” وبعد ذلك يلتقي الجيشان في صفين، وينظم الإمام على رضى الله عنه، جيشه، فيسند قيادة الخيّالة إلى مالك الأشتر، أما الرجّآلة فعليهم عمار بن ياسر، وتبدأ المعركة بالمبارزة، ويُقتل فيها الفارس، وتتطور إلى مناوشات ويُقتل فيها بضع عشرات من الجنود، وتنتهي بالتحامات، تتقصف فيها رماح، وتتكسر سيوف وتبلغ المعركة أوجها وهى ما سميت ليلة الهرير، وكان الأشتر في الميمنة، وعبد الله بن عباس في الميسرة، وفي القلب الإمام على رضى الله عنه، وكانت ليلةً طحنت من الفرسان آلاف وقد بلغ فيها القتل والقتال ذرويتهما أما النتيجة فسجال، إذ لا منتصر ولا منهزم، ولا يقبل الأشتر ذلك، أو يرضى به.

 

فيطلب إليه فرسان قبيلته بني مذحج، فيأتونه ملبّين، ويصيح فيهم كيف ذلك وأنتم أبناء الحرب، وأصحاب الغارات، وفتيان الصياح، وفرسان الطراد، وحتوف الأقران والذي نفسي بيده، ما من هؤلاء وأشار إلى أهل الشام، رجل على مثل جناح بعوضة من دِين، ويكر ويكرون، فلم يقصد كتيبة إلا كشفها أي هزمها ولا جمعا إلا حازه، وما زال ذلك دأبه حتى أوشك أن يصل إلى السرادق الذي فيه معاوية وعمرو بن العاص، ودعا معاوية بفرسه فركبها، يطلب لنفسه النجاة، ثم طأطأ برأسه قليلا، يفكر، ولمح وزيره عمرو بن العاص يرميه بنظرات حداد، فيها من المعاني ما فيها، فترجّل عن الفرس وعاد، وعند ذلك قال عمرو اليوم صبر.

 

وغدا فخر وعند ارتفاع ضحى الجمعة، يترجّل الأشتر عن صهوة جواده، ويزحف بأصحابه نحو الأعداء زحفا شاقا، بطيئا، وكأنه يخوض في غابة من السلاح، فأهل الشام مستميتون دفاعا، ويشجع الأشتر أصحابه بقوله إزحفوا قيد هذا الرمح، ويتم له ذلك، ثم يقول إزحفوا قيد هذا القوس، فإن فعلوا سألهم مثل ذلك، ويضيق مالك بذلك ذرعا، وكذلك أصحابه يضيقون، إن حربا بطيئة كهذه لَتزلزل الأعصاب، فيعتلي جواده، ويصيح بمن حوله من يشتري نفسه ويقاتل مع الأشتر؟ فاجتمع له خلق كثير، وسلم الراية لحيَّان النخعي، وصاح شدوا شدة، فدى لكم خالي وعمى ترضون بها الرب وتعزون بها الدين، ثم نزل، وضرب وجه دابته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى