نفحات إيمانية ومع العاشر من محرم “الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع العاشر من محرم “الجزء الرابع ”
ونكمل الجزء الرابع مع العاشر من محرم، فعندما قال نبى الله موسى “كلا إن معى ربى سيهدين” أى بمعنى لا تنظروا إلى مقياس البشر، أخفتم من فرعون وجنوده؟ ولا يتسلل الخوف إلى قلوبكم، لا يجتمع خوفان في قلب المؤمن، خوف من الخالق، وخوف من المخلوق، فقال “كلا” من خلقهم وأوجدهم؟ إنه الله، ومن خلق الجبال؟ إنه الله، ومن خلق السماء وأوجد الأرض والبحر؟ إنه الله، فنحن نعيش في ملك الله، حتى إذا اشتد الهلع، وزاد الخوف، ونبى الله موسى يصبر قومه موقنا بما عند الله، قال “كلا إن معى ربى سيهدين” حتى إذا ما اشتد الأمر، واقترب منهم فرعون، وزاد الخوف، في تلك الأثناء أنزل الله على نبيه موسى عليه السلام ” أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم”
فنبى الله موسى كان ينتظر المفاجأة، ما كان يعلم أن المفاجأة بالعصى بين يديه، لكنه كان يعلم أن نصر الله قادم، لكن لا يدري من أين؟ هل سيرفعه الله إلى سمائه أم ينزله إلى أرضه؟ أم تأتي طيور فتحمله؟ أم يهلك الله فرعون أمامه؟ كل ذلك في ملكوت الله، فكان موقنا، مطمئن البال، منشرح الصدر، مؤمنا بقضاء الله، حتى بين الله أن السر يا موسى في أضعف شيء معك إنها العصا، ادمر بها ملك الظالم، وأدس بها أنف كبريائه في البحر، ليس بسماء تموج، ولا ريح تهيج، فهو أضعف من ذلك، بل بهذه العصا، هزها، واضرب بها البحر، البحر الذي لو اجتمع الناس كلهم بمعداتهم أن يخففوه أو يجففوه ما استطاعوا، لذلك قال الله تعالى فى سورة الكهف ” قل لو كان البحر مداد لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا”
وهو دليل على عظم البحر وقوته، فيقول أهل الأرض والجيولوجيا إن البحر ثلاثة أرباع الأرض، فبمجرد ضربة عصا من موسى انفلق البحر، فكان أرضا يابسة، كأن لم تصبها قطرة من ماء، فالبحر جعله الله رحمة، فيه لحم طري، ويكون نجاة كما كان لنبي الله يونس عليه السلام عندما التقمه الحوت، ويكون عذابا كما كان قبل أشهر قريبة، وذلك كما حدث في زلزال تسونامي، من دمار، طال بلاد جنوب شرق آسيا، ومنها ماليزيا وإندونيسيا، وما جاورها من البلاد، وقد تحدث العلماء عن ذلك، وتكلم الخطباء وكتب الكاتبون، ومات فيه أكثر من مائتي ألف نسمة، وقد أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فهو خلق من خلقي، وعبد من عبيدي، فضرب البحر.
فقال أهل السير والتفسير، أنه فتح الله تعالى في البحر اثنا عشر طريقا، وليس طريقا واحدا، فكان البحر فجاجا، يسير أصحاب نبى الله موسى بينه ينظرون يمنة ويسرة، وإذا البحر جامد كالجبال الشامخة، طولا وعرضا، لا يصيبهم منه قطرة، ولكن السؤال هنا لماذا تأخر النصر؟ ولماذا انتظر موسى وأخر الله عنه النصر إلى آخر لحظات، حتى إذا اقترب منهم فرعون أمر الله موسى بأمره؟ ولماذا لم يصل موسى إلى البحر فيجده مفتوحا؟ لماذا لم ييسر الله لنبيه موسى طريقا غير البحر حتى يصل بأمان؟ وهو إن الله عز وجل يريد أن يرى من عباده إذا ما أنزلت عليهم الفتنة، أو المصيبة، أو الغلاء، أو المرض، أو الفقر، أيتذللون ويدعون ويستغفرون؟ فإن الله يحب العبد الملح بالدعاء.
وإلا فالله قادر على أن يهلك فرعون وهو في قصره، أو يأمر الأرض أن تنشق فتبتلعه كما فعلت بقارون، وإن الله قادر على أن يجعل فرعون يؤمن، ويدخل الدين، فلماذا حوصر المؤمنون؟ وإن الله يريد التذلل والدعا، وأن يعلم عباده أن الله مع من كان مع الله، وكذلك فإننا قريبون من نفس الوضع الذي كان عليه قوم موسى، إذا حوصر قوم موسى بالجبال والبحار وفرعون، فإننا في هذا الزمان محاصرون بالمعاصي والظلم، يشكل فرعون الآن كل طاغية وظالم، يحارب الصالحون، ويقتل المؤمنون، ومن أمامنا قنوات فضائية فاتنة ماجنة، خربت بيوتنا، ودمرت بناتنا، وعن يسارنا فقر ومرض وجهل وظلم، فقوم موسى حوصروا فدعوا الله، ففتح لهم البحر، ونحن حوصرنا، فهل دعونا الله؟ ولجأنا إليه حتى يفتح لنا بحار الدنيا وجبالها وملكوت السماوات والأرض؟