
الصبر
كم قيل في الصبر من المحاسن، حتى في الكتاب المقدس، حيث يُعدّ الصبر من ثمار الروح، ومن علامات الرجاء والإيمان .
ففي رسالة القديس بولس إلى أهل رومية (8:25)، يقول
“لَكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ، فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِٱلصَّبْرِ”
وفي الرسالة إلى أهل غلاطية (5: 22-23)، يُدرج الصبر ضمن ثمار الروح التي هي :
“محبة، فرح، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ .
وفي سفر الأمثال (16: 32)
“اَلْبَطِيءُ ٱلْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ ٱلْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً .
الصبر قوة داخلية نابعة من الايمان لا ضعف و استسلام
أما في التراث الإنساني والحكمة الشعبية، فقد قيل عن الصبر
الصبر شجرةٌ جذورها مرّة وثمارها شهية
من تلمّح حلاوة العافية، هانت عليه مرارة الصبر.
أقوى المحاربين: الوقت والصبر.
بالصبـر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
لا بد من الصبر ليجتاز العابدون البلاء.
صبرٌ قليل يساوي راحة لعشرات السنين.
(المصدر: موقع “إسلام ويب” – مراتب الصبر)
أما قانون حمورابي فلم يتحدث مباشرة عن الصبر كقيمة روحية، بل ركّز على العدالة المجتمعية والجزاء، مما يدل على اختلاف المفاهيم بين الديانات والقوانين .
لكن، متى يصير الصبر ضعفًا؟
حين يتحوّل إلى خضوع مميت، يَسحق الكبرياء، ويُذلّ الروح، ويزرع الحقد في قلب المظلوم، قد يتحوّل الصابر حينها إلى حاقد، متربّص، وربما إلى مجرم، لا لأنه شرير، بل لأنه قُهِر بصمته ،
الثأر لا ينشأ فقط من القتل، بل من الظلم، من اغتصاب الحقوق، من طمس الكرامة، من طمس العقيدة أو القيمة .
وقد يُصبح العجز المغلّف بالحقد، نوعًا من الانفجار المؤجَّل .
“العين لا تقاوم مخرزًا” — والمخرز هنا هو الظلم المدجج بالقوة، بينما الصبر مسحوق تحت أقدامه.
الصبر في بعض حالاته يُفرغ من محتواه الروحي، ويصبح مجرد انتظار عقيم، لا يُنصف الضحية ولا يُرجع حقًا.
ويُقال حينها: “كثرة الصبر وئدت العدالة .”
لكن هل يضيع الحق؟
يجيب المتنبي
“ما من يدٍ إلا ويدُ الله فوقها، وما من ظالمٍ إلا سيُبلى بأظلم”
قلب المظلوم يتساءل : “إلى متى؟”
“أين عدالة الأرض؟ بل أين عدالة الله؟”
“هل يكون الصبر في هذه الحال مدخلًا إلى الكفر، لا بابًا إلى الرجاء؟”
أسئلة موجعة، إلا أنها ليست غريبة عن روح الإيمان .
فالسيد المسيح نفسه طمأننا قائلًا
“أما أنتم فشعر رؤوسكم معدود” (متّى 10: 30)،
وكررها أيضًا في إنجيل لوقا
“وَلَكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لَا تَهْلِكُ الْبَتَّةَ. فَبِاحْتِمَالِكُمْ تَرْبَحُونَ أَنْفُسَكُمْ” (لوقا 21: 18-19).
هذه ليست دعوة إلى الخنوع، بل رجاءٌ واعٍ، واعٍ بحدود الانتظار، وضرورة العدل .
كما قال :من ضربك على خدك الايمن در له الايسر،(5: 39ا)،انجيل متى
جرى تاويل كثير لهذه العبارة ، إنها دعوة الى المسامحة ، لكن !!!
قد يصرخ الصابر في عمق ألمه : اين انت يا رب ؟؟ نداء الله ليس نكران لوجوده قفال السيد المسيح في عظته على الجبل : إنجيل متى، الإصحاح 7، الآية 7
“اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ.”
ايها الصابر هل نلت حقك ؟؟؟
لسنا ببغاء للترداد ،التساول لا يلغي الإيمان ، بل هو طريق الى الأمان ، إنما الإيمان الأعمى تقليد موروث . إن الرجاء المؤلم لله ليس إنكاراً لوجوده بل : “اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ.” الصلاة للإستجابة و ليس لترداد كلام ، خاصة في وجه الظلم و التظلم .
“إيماني لا يمنعني من السؤال، بل يدفعني إليه،
فالإيمان الذي لا يئنّ في وجه الظلم، لا يُقيم عدلًا، ولا يُحيي حقًّا”.”