“أبناؤكم في خطر!” ليست مجرد جملة عابرة أطلقها معلّم غاضب، ولا صدى انفعالي في لحظة ضيق، بل هي صرخة مدوية من قلب الميدان، من قلب كل معلم يرى في عيون طلابه خيبةً، وفي عقولهم شرودًا، وفي سلوكهم انهيارًا.
نعم، صرخة من المعلمين والمعلمات، ممن وضع الله على عاتقهم أمانة التعليم والتربية، وصاروا اليوم يقفون عاجزين أمام جيل منتهي الصلاحية ذهنيًا، محطم الإدراك، مشوش الانتباه، ينام في الصف ويستيقظ على الهاتف، يطارد الألعاب الإلكترونية، ويهرب من دفاتر الواجب.
هل هذا هو الجيل الذي نُعِدّه لبناء وطن؟ هل هذا هو المستقبل الذي حلمنا به؟ طفل يسهر حتى الفجر بين “الريلز” و”اليوتيوب” و”بابجي”، ثم يأتي إلى المدرسة كالجسد بلا روح، عيناه شاردة، وذهنه غائب، وحين تسأله: لماذا لا تتابع؟ يجيب ببرود: “كنت سهران بلعب… وعندنا كمان لابتوب وتابلت وتليفون في البيت!”
لقد تحوّل الهاتف المحمول من وسيلة تواصل، إلى آلة لخراب العقول، وانهيار البيوت، وضياع الأسر. الفساد لم يعد يأتي من الخارج، بل يقتحم بيوتنا كل يوم من خلال هذه الأجهزة الصغيرة، في شكل فيديوهات منحطة، وألعاب عنف، ومواقع تبث السموم الفكرية والأخلاقية بلا رقيب ولا حسيب.
صرخة معلّم ليست مجرد دعوة للتعليم، بل صرخة إنذار من انهيار المجتمع بأكمله. صرخة تقول للأب والأم: أنتم المسؤولون قبلنا! نحن لا نستطيع تعليم من لا تربيتموه أنتم في البيت، ولا نستطيع ضبط من تركتموه للشارع والهاتف والعالم المظلم خلف الشاشات.
نحن لا نملك العصا السحرية، ولا نستطيع وحدنا أن نعيد بناء طفل محطم، فقد أعطيتموه الهاتف قبل أن تعلّموه معنى القراءة، وتركتموه في غرفته قبل أن تفهموا ما الذي يشاهده ليلًا، وصرتم تشتكون من المعلمين والمدارس، ونسيتم أنكم تركتموا أبنائكم في أيدي التكنولوجيا الفتاكة.
أيها المجتمع… أيها الآباء والأمهات… راقبوا أبناءكم، تابعوهم، أوقفوا هذا النزيف، أنقذوا جيلًا يُدمّر كل يوم أمام أعيننا. ساعدونا في المدرسة، لا تلقوا العبء كله علينا. التعليم ليس “سُلعة تُلقى في الحقيبة”، بل مشروع حياة.
أبناؤكم في خطر… التكنولوجيا دمرتهم… ونحن نصرخ من أجلهم… فهل من مجيب؟