الحمد لله الذي جعل لنا الصوم حصنا لأهل الإيمان والجنة، وأحمد سبحانه وتعالى وأشكره، بأن من على عباده بموسم الخيرات فأعظم المنة ورد عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة تؤدي لرضوانه والجنة، أما بعد قيل أنه لما وقعت الفتنة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تنكر على عثمان؟ قال “أنكر عليه عند الناس؟ مستنكرا لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس” ولقد وقع ما خافه ففتح الباب وحدثت مصيبة لا يرقأها كرّ الأيام والليالي ولله الأمر من قبل ومن بعد، وقال الشيخ العثيمين رحمه الله ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها محالّ ولا بد من الحكمة فإذا رأينا أن الإنكار علنا يزول به المنكر والشر ويحصل به الخير فلننكر علنا وإذا رأينا أن الإنكار لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير، بل يزداد بغض الولاة للمنكرين وأهل الخير.
فإن الخير أن ننكر سرا وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علنا فيما إذا كنا نتوخى فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والأدلة الدالة على أن الإنكار يكون سرا فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير والواجب أن نناصح ولاة الأمور سرا، فيكون الإنكار معلنا عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سرا إذا كان إعلان الإنكار لايخدم المصلحة، أي لا يزول به الشر ولا يحل به الخير ونحن نعلم أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبدا، حتى إمام المسجد لا يستطيع أن يرضي جميع من يصلي خلفه فبعضهم يقول إنه يطيل، وبعضهم يراه مقصرا، وبعضهم يريد التبكير بالصلاة، وبعضهم يريد التأخير، فهذا بالنسبة لإمام المسجد فكيف بولاة الأمور التي ولايتهم أوسع بكثير منه؟
فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره إجتماع المسلمين، فالحاصل أنه يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا عاقبته، فقد قال النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” فاجعل هذا ميزانا لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق، وكما قال أيضا أن هناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائبا، لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف كانت حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم، والفرق أنه إذا كان حاضرا أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبيّن وجهة نظره، وقد يكون مصيبا ونحن المخطئون.
لكن إذا كان غائبا لم يستطع أن يدافع عن نفسه وهذا من الظلم، فالواجب أن لا يتكلم على أحد من ولاة الأمور في غيبته، فإذا كنت حريصا على الخير فاذهب إليه وقابله وانصحه بينك وبينه” وقال الإمام أحمد ” ولا يحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق” وقال حنبل رحمه الله لما إجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبدالله ويعني الامام أحمد بن حنبل رحمه الله، وكان في السجن وقالوا له إن الأمر قد فشا، وتفاقم ويعنون إظهار القول بخلق القرآن، وغير ذلك من المصائب والضيق والشدة، والقتل، والسجن ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه فناظرهم في ذلك، وقال عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم، ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برّ، ويستراح من فاجر وقال ليس هذا أي الخروج صوابا هذا خلا