
ترجمة تحليلى الدولى الهام باللغة الإنجليزية من موقع (المودرن دبلوماسى) للتحليلات السياسية العالمية… بعنوان:
(تأثر الشركات الصينية بالحرب التجارية الأمريكية عليها)
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
حذرت الصين من أن رسوم ترامب الجمركية قد تؤدى إلى حرب تجارية عالمية، وأن التكاليف المتزايدة ستنعكس على المستهلكين الأمريكيين، ما سيرفع الأسعار ويهدد بحدوث ركود إقتصادى عالمى كبير. وتحذر الصين من أن هذه الحرب التجارية لا تلحق ضرراً بالصين فحسب، بل بالنظام التجارى العالمى كذلك. وكانت الصين قد أعلنت فى إجتماعات الدورتين (المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى والمجلس الوطنى للمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى) فى مارس ٢٠٢٥، أن هدفها الرسمي للنمو سيكون حوالي ٥% هذا العام فى ٢٠٢٥، لكنها أكدت أنه لن يكون من السهل تحقيق هذا الهدف فى ظل الحرب التجارية الأمريكية عليها فى الوقت الحالى.
أما عن أبرز السلبيات والضغوط التي تواجه الإقتصاد الصينى بسبب التعريفات الجمركية الأمريكية عليها، فيأتى أبرزها: نلاحظ أن الصادرات الصينية تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، إذ أصبحت المنتجات الصينية المُصدّرة إلى الولايات المتحدة تصطدم بحواجز جمركية هى الأعلى في التاريخ، تتجاوز نسبة ١٠٠%، مما ينعكس سلباً على القدرة التنافسية للمنتجات الصينية، خاصة تلك الكثيفة العمالة، مثل: المنسوجات والأثاث وبعض المنتجات الإلكترونية. كما يتوقع أن تتأثر عدداً من القطاعات الصينية التي تعتمد بشكل كبير على التصدير، كالإلكترونيات الإستهلاكية والمنسوجات، ستتأثر بشكل كبير نتيجة هذه السياسات. وهذه التطورات فى مجملها قد تؤثر على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني. لذا نجد بأن تحقيق أهداف النمو الإقتصادى للصين بنسبة ٥% للعام ٢٠٢٥، سيتطلب مزيداً من الدعم الصينى للسياسات الإقتصادية المحلية، خاصةً فى ظل التراجع الملحوظ في الطلب العالمى. كما أن فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية سيكون له تأثيرات متعددة على الإقتصاد الصيني، تشمل: (صدمات قصيرة الأجل وتعديلات هيكلية طويلة الأمد فى عدد من الصناعات الصينية).
وتعهدت بكين بإتخاذ تدابير مضادة رداً على ذلك وحذرت من أن الرسوم الأمريكية الجديدة ستشل وتقيد سلاسل التوريد العالمية وستضر بمصالح واشنطن. ووفقاً لبيانات الجمارك فى بكين، تجاوز إجمالي مبيعات السلع الصينية إلى الولايات المتحدة العام الماضى ٢٠٢٤ حوالى ٥٠٠ مليار دولار أى ما يعادل ١٦.٤% من صادرات البلاد. وتهدد الرسوم الجمركية بالإضرار بخطة التعافى الإقتصادى الحالى للصين، بعد وضع الجانب الصينى لخطة طويلة لمعالجة أزمة ديون طويلة الأمد في قطاع العقارات وإنخفاض الإستهلاك فى عدد من القطاعات، وهو تباطؤ سعت بكين إلى إبطائه من خلال تحفيز مالي واسع النطاق العام الماضى. ومن المرجح أن تكون أبرز صادرات الصين إلى الولايات المتحدة هي الأكثر تضرراً، فالصين هي المورد الرئيسى للسلع الأمريكية من الإلكترونيات والآلات الكهربائية إلى المنسوجات والملابس.
وفرضت الصين فى شهر مارس ٢٠٢٥ رسوماً جمركية بنسبة ١٥% على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. كما تواجه الصادرات الأمريكية من النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات ذات المحركات الكبيرة وشاحنات البيك أب رسوماً جمركية بنسبة ١٠%. ونجد بأن هذه الإجراءات تهدف إلى ضرب قاعدة دعم ترامب، خاصةً من أولئك الذين يقطنون المناطق الريفية فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذين صوتوا له العام الماضى.
وفى الوقت ذاته، فإن سيناريو التصعيد الأمريكى الحالى مع الصين، لا يهدد فقط أداء قطاع التصنيع الصيني، بل يطال سلاسل الإمداد المتشابكة التي تشكل العمود الفقرى لإقتصاد البلاد. ومع إعتماد ملايين الوظائف فى الصين على تدفق الصادرات، تتصاعد المخاوف داخل الصين من تباطؤ أعمق، في وقت تسعى فيه القيادة الصينية جاهدة لتنشيط الطلب المحلي وتعزيز إستقلالها التكنولوجى. لذا جاء الرد الصينى الفورى على الولايات المتحدة الأمريكية بعد تضاعف حدة الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع القادمة من الصين، فيما ردت بكين بمزيد من الرسوم والقيود على الشركات الأمريكية داخلها من العاملة داخل الصين. من جانبها، ستفرض الصين رسوما جمركية إضافية بنسبة ٥٠% على السلع الأمريكية، بالإضافة إلى ٣٤% التي أعلنت عنها بالفعل، في رد إنتقامى على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب في الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر إقتصادين في العالم.
وستؤثر الرسوم الجمركية الشاملة، التي ستشمل رسوما إضافية يتم فرضها على جميع السلع الأمريكية بنسبة ٨٤%، على الصادرات الأمريكية من الآلات وأشباه الموصلات والزراعة وغيرها من السلع. ويتوقع إن إجمالى الرسوم الجمركية الصينية على السلع الأمريكية سيتجاوز ١٠٠% بمجرد دخول الرسوم حيز التنفيذ. كما تأثرت نسبة كبيرة من الصادرات الأمريكية من المنتجات الزراعية والطاقة وغيرها برسوم إضافية منفصلة فرضت سابقاً عليها من الصين.
وهنا وصف وزير الخزانة الأمريكى “سكوت بيسينت” قرار الصين بفرض رسوم جمركية إنتقامية بنسبة ٨٤% على الواردات الأمريكية، بأنه خطوة مؤسفة وخاسرة لبكين، مؤكداً أن النهج الصيني يعمّق الأزمة التجارية بين البلدين بدلاً من حلها عبر الحوار. وهنا تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التصنيع المحلي، فيما تحتاج الصين إلى تحفيز الإستهلاك الداخلي، وهذا هو جوهر الحل الإقتصادى للطرفين. كما أن أحد التطورات الأخيرة المقلقة هو قيام الصين بمنع صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعكس التصعيد في الحرب التجارية بين البلدين.
هناك إجماع واسع بين الاقتصاديين على أن التعريفات الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين عبر مجموعة من السلع المستوردة، حيث تحمّل الشركات بعض أو كامل تكاليفها المتزايدة على المستهلكين. ويمكن أن تشمل قائمة المنتجات الأمريكية المتأثرة العديد من السلع والخدمات والمنتجات. كما قد تقرر بعض الشركات الأمريكية أيضاً إستيراد كميات أقل من السلع الصينية، أو التوقف تماماً عن إستيرادها، ما قد يجعل المتاح من تلك السلع أغلى ثمناً. وقد ترتفع أيضاً أسعار السلع المصنعة في الولايات المتحدة بإستخدام مكونات مستوردة. فعلى سبيل المثال، تعبر عادةً مكونات تصنيع السيارة حدود الولايات المتحدة والمكسيك وكندا عدة مرات قبل أن يتم تجميع السيارة بالكامل. ويتوقع أيضاً أن ترتفع أسعار السيارات نتيجة للتعريفات الجمركية لترامب. ويمكن كذلك أن ترتفع تكلفة السيارة المصنعة بإستخدام أجزاء من المكسيك وكندا وحدها بمقدار ٤ آلاف إلى ١٠ آلاف دولار، ويعتمد ذلك على نوع السيارة.
وبتحليل خبرتنا السابقة للتعريفات الجمركية فى عهد ترامب خلال فترة ولايته الأولى، فقد أدت التعريفات الجمركية التي أعلنها ترامب خلال فترة رئاسته الأولى إلى زيادة متوسط سعر الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة بنسبة ٢.٤% و ١.٦% على التوالى، وفقاً للجنة التجارة الدولية الأمريكية. كما زادت التعريفات الجمركية الأمريكية على الغسالات المستوردة بين عامي ٢٠٢٨ و ٢٠٢٣ من سعر معدات الغسيل بنسبة ٣٤%، وفقاً للإحصاءات الرسمية الأمريكية.