“ثمار الإصلاح الاقتصادي ومكتسبات التنمية في مصر وسط التحديات الإقليمية والدولية”

يكتب ✍✍✍ دكتور / علي جمال عبد الجواد مدرس أدارة الأعمال والمالية .
في خضم التحديات الاقتصادية العالمية المتصاعدة، والتي تشمل أزمات الطاقة وسلاسل الإمداد، وارتفاع معدلات التضخم عالميًا، والتوترات الجيوسياسية، برزت مصر كواحدة من الدول التي اتخذت خطوات جريئة نحو الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات الماضية. هذا الإصلاح، الذي انطلق رسميًا في 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، كان نقطة تحول هيكلية في بنية الاقتصاد المصري. ورغم التحديات الإقليمية والدولية، أفرز هذا البرنامج عددًا من المكتسبات التنموية والثمار الاقتصادية التي باتت واضحة في مؤشرات الأداء الاقتصادي والمشروعات القومية العملاقة.
أولًا: أهم محاور الإصلاح الاقتصادي
تحرير سعر الصرف: أتاح استعادة التوازن في سوق النقد الأجنبي، وجذب الاستثمارات وتحسين التصنيف الائتماني.
خفض دعم الطاقة تدريجيًا: مما أسهم في تقليص عجز الموازنة.
توسيع شبكة الحماية الاجتماعية: مثل برنامج “تكافل وكرامة” لتخفيف آثار الإصلاح على الفئات الضعيفة.
تحسين بيئة الاستثمار: عبر حوافز قانونية وتوسيع المناطق الصناعية واللوجستية.
تنفيذ مشروعات قومية كبرى: مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع حياة كريمة، وتطوير البنية التحتية.
ثانيًا: ثمار الإصلاح ومكتسبات التنمية
نمو الناتج المحلي الإجمالي
رغم التباطؤ العالمي، سجل الاقتصاد المصري نموًا إيجابيًا بلغ نحو 4.2% في 2023، مقارنة بانكماش في بعض الاقتصادات الكبرى، مدعومًا بقطاعات مثل الاتصالات، التشييد، والسياحة.
زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي
ارتفع الاحتياطي إلى 34.9 مليار دولار في مارس 2024، مقارنة بأقل من 16 مليار دولار في 2016، مما عزز استقرار سعر الصرف وثقة المستثمرين.
تحسين البنية التحتية والتنمية العمرانية
تم إنجاز أكثر من 14 مدينة جديدة، وتحديث الطرق، وشبكات الكهرباء، والموانئ، ما ساهم في تحفيز النشاط الاقتصادي وجذب المستثمرين.
توسيع شبكة الحماية الاجتماعية
استفاد أكثر من 20 مليون مواطن من برامج الحماية الاجتماعية، مع زيادة المخصصات الاجتماعية في الموازنة العامة بنسبة تفوق 15% سنويًا.
تعزيز مرونة الاقتصاد المصري
ساهم الإصلاح في جعل الاقتصاد المصري أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الخارجية، كما حدث مع جائحة كورونا، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية.
تحسين التصنيف الائتماني
حصلت مصر على نظرة مستقبلية مستقرة من وكالات التصنيف العالمية، مما يعكس الثقة في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها السيادية.
ثالثًا: التحديات الإقليمية والدولية وتأثيرها
رغم هذه الإنجازات، تواجه مصر تحديات خارجية معقدة، أبرزها:
الارتفاع العالمي في أسعار الفائدة مما يزيد كلفة الاقتراض الخارجي.
توترات البحر الأحمر وتأثيرها على قناة السويس التي تمثل مصدرًا حيويًا للعملة الأجنبية.
تباطؤ الاستثمارات العالمية بسبب الأوضاع الجيوسياسية.
موجات التضخم العالمية التي تؤثر على أسعار الغذاء والوقود محليًا.
ورغم ذلك، تبنّت الحكومة سياسات توسعية محسوبة للحفاظ على معدلات نمو إيجابية، مع تركيز على تعزيز الإنتاج المحلي، والتوسع في الصادرات الصناعية والزراعية، وجذب استثمارات استراتيجية من الخليج وأوروبا.
رابعًا: نظرة مستقبلية وتنموية
مبادرة “حياة كريمة” تُعد إحدى أهم مكتسبات الإصلاح، حيث تستهدف تحسين مستوى المعيشة لأكثر من 60 مليون مصري في الريف، وهي مشروع تنموي ضخم بتكلفة تتجاوز 700 مليار جنيه.
التحول الرقمي والشمول المالي باتا من أولويات الدولة، مع توسع في البنية التكنولوجية وزيادة عدد المواطنين الذين يمتلكون حسابات مصرفية إلى أكثر من 60% من البالغين.
برنامج الطروحات الحكومية يعزز من كفاءة الشركات العامة ويجذب رؤوس أموال خارجية، وقد تم الإعلان عن طرح شركات استراتيجية في قطاعات الطاقة والتجارة والخدمات.
خاتمة
أثبتت مصر، من خلال برنامجها الطموح للإصلاح الاقتصادي، قدرتها على الصمود أمام التحديات العالمية والإقليمية، وتحقيق مكتسبات تنموية ملموسة في قطاعات متعددة. ورغم ما يزال أمامها الكثير من التحديات، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى تعزيز مرونة الاقتصاد المصري وزيادة قدرته على تحقيق نمو شامل ومستدام، إذا ما تم دعم هذا المسار بمزيد من الشفافية والاستثمار في رأس المال البشري، وتحفيز القطاع الخاص.