لن أملّ أبدًا من الحديث عن ضرورة التسلح بالوعى فى ظل المشهد الإقليمى المضطرب والمتسم بالأحداث المتسارعة، حيث تتداخل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية بشكل معقد. وتزداد أهمية تعزيز الوعى الوطنى لدى المواطن المصرى ليصبح خط الدفاع الأول عن الأمن القومى واستقرار البلاد.
إن المنطقة المحيطة بنا تشهد تحولات جذرية وصراعات متعددة الأطراف، بدءًا من النزاعات المسلحة والتدخلات الخارجية التى تهدد استقرار الدول وتؤجج الانقسامات الداخلية، مرورًا بالتحديات الاقتصادية المتفاقمة التى تفرض ضغوطًا هائلة على الموارد وتعوق جهود التنمية، وصولًا إلى التهديدات الأمنية العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى حروب الجيل الرابع التى تستهدف العقول والوجدان وتسعى إلى تزييف الحقائق وبث الفتن.
كل هذه التحديات مجتمعة تشكل تهديدًا مباشرًا وغير مباشر للأمن القومى المصرى، وتستدعى ضرورة امتلاك المواطن فهمًا عميقًا ووعيًا شاملًا لأبعاد هذه التحديات وتأثيراتها المحتملة على الوطن ومستقبله. إن رفع مستوى الوعى ليس مجرد مسئولية تقع على عاتق المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام فحسب، بل هو واجب وطنى يقع على عاتق كل فرد فى المجتمع المصرى، فالمواطن المتعلم والمثقف والواعى هو حائط الصد الأول فى مواجهة أى محاولات للنيل من أمن واستقرار مصر. إن المعرفة الصحيحة والموثوقة هى الأساس الذى يُبنى عليه الوعى الوطنى المستنير. فالمواطن الذى يسعى إلى اكتساب المعرفة وفهم الحقائق المتعلقة بالقضايا الإقليمية الراهنة، من خلال متابعة المصادر الموثوقة وتحليل المعلومات بعقلانية، يصبح قادرًا على تكوين رؤية واضحة وشاملة للتحديات التى تواجه البلاد. هذه المعرفة تمكنه من فهم جذور الصراعات وأبعادها المختلفة، وتقييم مواقف الأطراف الفاعلة، واستشراف السيناريوهات المحتملة وتأثيراتها على المصالح المصرية العليا.
كما أن المعرفة التاريخية والجغرافية والثقافية تلعب دورًا حيويًا فى تعزيز الوعى الوطنى، حيث تساعد المواطن على فهم عمق الروابط التى تجمع مصر بدول المنطقة، والمصالح المشتركة التى تربطها بها، والتحديات المشتركة التى تواجهها.
ويأتى دور التحليل الواعى للأحداث كأداة حاسمة فى فهم التحديات الإقليمية وتأثيرها على الأمن القومى، فالمواطن الواعى لا يكتفى بتلقى المعلومات بشكل سلبى، بل يسعى إلى تحليلها وتقييمها بعقلانية ومنطقية، بعيدًا عن الانفعالات العاطفية والتحيزات المسبقة. إن القدرة على التفكير النقدى وطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات المقنعة تمكن المواطن من فهم الأسباب الكامنة وراء الأحداث، وتقييم الدوافع الحقيقية للأطراف المختلفة، واستخلاص النتائج الموضوعية التى تساعده على تكوين رأى مستنير ومسئول. هذا التحليل الواعى يساعد المواطن على فهم الترابط بين الأحداث الإقليمية وتأثيرها المباشر وغير المباشر على الأمن القومى المصرى. وفى ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الرقمية، أصبح خطر الشائعات والأخبار المغلوطة يمثل تحديًا كبيرًا للأمن القومى. فالحروب النفسية وحروب الوعى تعتمد بشكل كبير على نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة بهدف زعزعة الثقة فى المؤسسات الوطنية، وتأجيج الفتن والانقسامات الداخلية، وتقويض الوحدة الوطنية. وهنا يبرز الدور الحيوى للمواطن الواعى الذى يتحلى بالمسئولية واليقظة فى التعامل مع المعلومات المتداولة.
إن عدم الانسياق وراء الشائعات والأخبار المغلوطة، والتأكد من مصداقية المصادر قبل نشر أى معلومة، هو واجب وطنى يسهم فى حماية المجتمع من الآثار المدمرة للتضليل الإعلامى. ويجب على المواطن أن يكون قادرًا على التمييز بين المصادر الموثوقة والمنصات المشبوهة التى تسعى إلى نشر الفوضى والبلبلة، وأن يعتمد على الحقائق والمعلومات الرسمية فى تكوين رأيه واتخاذ مواقفه.
إن دور المواطن فى دعم استقرار الوطن من خلال المعرفة والتحليل الواعى وعدم الانسياق وراء الشائعات لا يقتصر على الجانب الفكرى والمعرفى فحسب، بل يمتد ليشمل الجانب العملى والسلوكى. فالمواطن الواعى هو الذى يلتزم بالقانون والنظام، ويسهم فى الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعى، ويشارك بفاعلية فى جهود التنمية والتقدم التى تخدم مصلحة الوطن. إنه المواطن الذى يعى حقوقه وواجباته، ويسعى إلى بناء مجتمع قوى ومتماسك قادر على مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات. إن دعم استقرار الوطن يبدأ من داخل كل فرد، من خلال الالتزام بالقيم الوطنية الأصيلة، وتعزيز روح الانتماء والولاء للوطن، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، كما أن رفع مستوى الوعى لدى المصريين بشأن التحديات الإقليمية الراهنة وتأثيرها على الأمن القومى هو استثمار استراتيجى طويل الأمد يسهم فى بناء مجتمع قوى ومحصن وقادر على مواجهة جميع التحديات. إن المواطن المصرى الواعى والمثقف هو الثروة الحقيقية لمصر وسلاحها الأقوى فى الحفاظ على أمنها واستقرارها ومستقبلها، ومن خلال المعرفة والتحليل الواعى واليقظة فى التعامل مع المعلومات، يستطيع كل مواطن أن يلعب دورًا فاعلًا فى دعم استقرار الوطن وحماية مقدراته ومكتسباته، والمساهمة فى بناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. ووعى الشعب هو الضمانة الحقيقية لأمن واستقرار مصر فى وجودها وسط هذه المنطقة المضطربة.