
بيت الأم
بيت أمي ليس مجرد جدران وسقف، بل حضن ممتد عبر الزمن، يخبئ بين زواياه أنفاسي الأولى وضحكات الطفولة التي لم تبهت. في أرجائه رائحة الخبز الطازج، ودفء الشمس المتسلل عبر النوافذ كأنه يد حانية تلامس الروح. في بيت أمي، لكل شيء ذاكرة؛ الوسائد تحفظ رؤوسنا الصغيرة وهي تمتلئ بأحلام لا تعرف المستحيل، والأبواب تئن بصمت كأنها تهمس لنا بالقصص التي نسيناها.
عند عتبة البيت، كانت أمي تنتظرنا دائمًا، بعينيها اللتين تعرفان القلق والطمأنينة في آنٍ واحد. صوتها يسبقها، يملأ الأرجاء بالحياة، وحين تغيب، يظل صدى دعواتها يرافقنا كتعويذة تحرس خطانا.
كلما ابتعدتُ، كان البيت يشدّني إليه كما يشدّ البحر موجته نحو الشاطئ. وحين أعود، أعرف أني لم أغادر يومًا، فأمي لا تزال هنا، في كل زاوية، في كل ركن، في كل نبضة من قلبي.