صاحب الهمة العالية والصدق مع الله بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : السبت الموافق 26 أكتوبر 2024 الحمد لله بما أسدى والشكر له ما تنسمت علي الخلائق جدواء، فأي آلاء الله أحق أن تُشكر؟ أجميل أظهره؟ أم قبيح ستره وما أبدى؟ ولم تزل آلاء ربك تتوالى، ما منّ ربك عطائه، وما أكدي وما أكدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد قال أبرويز الملك لولده إحفظ الرعية ليحفظك العقل واصرف آفتك عن الرعية ليصرف العقل آفته عنك، واعلم انك حكم بين الناس والعقل حكم جليل فكما ينبغي أن يقبل الناس أمرك فكذلك ينبغي أن تقبل أمر العقل، وكتب يونان الوزير كتابا الى الملك العادل كسرى انو شروان وأدى رسائل في باب العقل وما يأمر به العقل فشكره أنو شروان وأمر الكاتب أن يكتب اليه جوابا.
وقال أيها الحكيم لقد أحسنت في تأدية رسالة العقل لأننا ومن تقدمنا من الملوك إنما تحلينا بالعقل فكيف يمكننا مخالفته فان العاقل أقرب الناس الى الله تعالى والعقل كالشمس في الدنيا وهو قلب الحسنات والعقل حسن في كل واحد وهو في الأكابر والزعماء أحسن كالرطوبة في الشجرة مادامت طرية رطبة كان الناس من رائحتها ونشر أزهارها وطيب ثمارها ونضارتها وطراوتها في سرور وغيظة ونزهة وفرحة فاذا جفت رطوبتها وقحلت نضارتها فلا تصلح حينئذ لسوى القلع وكذلك الإنسان مادام عقله قويما وجسمه سليما صحبته مباركة ومواصلته حسنة نافعة فاذا زال عقله وغلب عليه جهله، فحينئذ لا يصلح للحياة ولا يستره غير الوفاة، وقال أنو شروان كيف يسعني أن أخالف العقل ولا أفعل ما يامرني به العقل وأنه ليس لملك ولا رعية خير من العقل.
فان بضيائه يفرق بين المليح والقبيح والجيد والردئ والحق والباطل والصدق والكذب، واعلموا بأن صاحب الهمة العالية يتطلع إلى جنة عرضها السماوات والأرض، يأمل في قبر يكون روضة من رياض الجنة، ولم تكن همته في الدنيا الحصول على منصب زائل، ولم تكن همته في الدنيا الحصول على الكنوز ولا الذهب ولا الفضة، ولم تكن همته في الدنيا لجاه دنيوي وشهرة ذاهبة، ولكن همتهم كانت رضوان الواحد الأحد، وهمتهم أن يحصلوا على سجدة بخشوع، دمعة بتبتّل، قراءة بتدبر، همتهم جنة عرضها السماوات والأرض حيث لا تعب ولا نصب، ولا هم ولا غم ولا حزن، وإنما هي نور يتلألأ، وريحانه تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة نضيجة.
وزوجه حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبدي، هذه همتهم وبذلوا الغالى والنفيس من أجل الوصول إليها وتحقيق إياها، وهذا هو سعد بن خيثمة الأنصاري رضي الله عنه، لما أراد الخروج إلى بدر قال له أبوه خيثمة لابد لأحدنا أن يقيم، فآثرني بالخروج وأقم أنت مع نسائنا رضي الله عنهم، الوالد يحاول في إبنه أن يسمح له بالخروج إلى غزوة بدر ويجلس هو مع أهله، فماذا كان رد الابن سعد، قال يا أبي لو كان غير الجنة لآثرتك به، وهذا هو الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، أراد الخروج مع الناس إلى بدر فمنعه بنوه لأنه كان أعرجا، لكن همته إلى الخير والمسارعة إلى الجنة عالية جعلته يتأهب يوم أحد.
فقال لبنيه لقد منعتموني الخروج يوم بدر فلا تمنعوني الخروج إلى أحد، فقالوا له لقد عذرك الله، لأنه أعرج، فذهب يشكي حاله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله قد منعني أبنائي وحبسوني عن الخروج معك، ووالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، انظروا إلى هذه الهمة العالية والصدق مع الله تعالي، قال راوى الحديث فخرج للجهاد فقاتل حتى قتل فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد رأيته يطأ بعرجته الجنة “