الدكروري يكتب عن حملة الإسلام الأوائل بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد إن من ينظر إلى حملة الإسلام الأوائل من أصحاب النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يجد أن أكثرهم كانوا شبابا، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم، فهذا أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة وكذلك بقية العشرة رضي الله عنهم، فهذا طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشر، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة.
وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعا وعشرين، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين، وكذلك عبدالله بن مسعود، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، ومعاذ وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شبابا، ولقد اعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإمام علي رضي الله عنه وهو شاب في منصب من أخطر المناصب وهو القضاء بين الناس لما لهذا المنصب من الجهد والبحث المتواصل عن الحقائق، وتعلم الفقه والعلوم التي بها يقضي بين الناس ولا يتأتى هذا إلا على يد شاب عاقل قوى التحمل رابط الجأش، وفي مجال الصبر والثبات فإن صحابة رسول الله قد أعدوا للصبر والابتلاء نفوسا مؤمنة صامدة، وقلوبا مطمئنة بذكر الله تعالي، فها هو بلال المؤمن الصابر المحتسب.
قد تلقى في سبيل الله ألوانا من العذاب وأصنافا من البلاء، فكلما اشتدت عليه وطأة الألَم، ووضعت على بطنه الحجارة الثقيلة في وهج الظهيرة المحرق، ازداد إيمانا، وهتف من الأعماق ” أحد أحد، فرد صمد” وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا والله ما سمعت قريش بهذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم ؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا، قالوا إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام، فقال رافعا صوته بسم الله الرحمن الرحيم “الرحمن علم القرآن”
فاستقبلها، فقرأها، فتأملوا، فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا إنه يتلو بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا هذا الذي خشينا عليك، فقال ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون، وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه أسلم مع الأولين الأوائل في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، ولما كشفوا أمره أخذوه، فحبسوه وعذبوه، فلم يزل محبوسا معذبا، حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا.
واستشهد رضي الله عنه في غزوة أحد فلم يجدوا شيئا يكفنونه فيه سوى بردة، فكانوا إذا وضعوها على رأسه، خرجت رجلاه، وإذا وضعوها على رجليه، خرج رأسه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها على ما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر” رواه مسلم، وقد وقف صلى الله عليه وسلم على هذا الفتى وهو مقتول مسجّى في بُردة، فقال له والدموع تترقرق من عينيه ” ما رأيت بمكة أحسن لمّة، ولا أرقّ حُلّة، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير” وقرأ عليه قوله تعالى ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا “.