الدكروري يكتب عن لا تنزع الرحمة إلا من شقي
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 15 مايو 2024
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجز لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إنكم تقبّلون الصبيان وما نقبّلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟” رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا تنزع الرحمة إلا من شقي” رواه أبو داود والترمذي.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه” رواه مسلم، وأحوج الناس إلى رحمتك وشفقتك وإحسانك وبرّك، وأقرب الناس إليك، الوالدان، الأم والأب، فارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما، وأكرمهما ولا تهنهما، وتواضع لهما ولا تتكبر عليهما، فتلك وصية من الله إليك، حيث قال سبحانه وتعالي ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” سورة الإسراء، ويحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهما بين القبور، ينتظران البعث بعد النشور، فما أحوجهما في ذلك اليوم إلى دعوة صالحة منك، ترفعها إلى الله جل جلاله أن يفسح لهما في قبريهما، فقد صارا غرباء سفر لا يُنتظرون.
ورهناء ذنوب لا يُفكون ولا يطلقون، فارفع الأكف الصادقة إلى الله أن يرحمهما، والرحمة بين الأهل والأقارب، فرحمتك لزوجتك وإخوانك وأخواتك وسائر قرابتك، وهو أن يرحم المرء أهل بيته وأن يحسن رعايتهم وعشرتهم، وأن يعاملهم باللطف واللين، والمحبة والمودة، أن يسهر على خدمتهم، أن يشبعهم، ويكسوهم، ويسكنهم، ويقدم لهم من الخير ما استطاع، وقبل ذلك كله أن يقودهم إلى الجنة، ويعرّفهم أبوابها وسبلها، ويقيهم من النار، ويُحذرهم من طرق الضلال التي تقودهم إليها، والرحمة بالضعفاء والفقراء، فمن شعائر الإسلام العظيمة إطعام الطعام، والإحسان إلى الفقراء والأرامل والأيتام، طلبا لرحمة الله الملك العلام، فالذي يطعم الأرملة ويدخل السرور عليها ويرحم بُعد زوجها عنها.
حين يكون لها كزوجها إحسانا وحنانا كالصائم الذي لا يفطر من صيامه، والقائم الذي لا يفتر من قيامه، فهنيئا ثم هنيئا لأمثال هؤلاء الرحماء، فأين الرحمة ممن يحمل في قلبه حقدا وحسدا وبغضا لإخوانه؟ أين الرحمة ممن يؤذي الناس في بيعهم وشرائهم؟ أين الرحمة ممن يحقر الناس ويزدريهم ويسخر منهم؟ أين الرحمة ممن يؤذي المسلمين في أموالهم بالسلب والنهب والغش والخديعة؟ أين الرحمة ممن يؤذي المسلمين في دمائهم وأنفسهم بالاعتداء والقتل وسفك الدماء؟ فأين الرحمة ممن يؤذي الناس في أعراضهم بانتهاكها والخوض فيها بالباطل؟ فكل هذه أمور حرمها الإسلام واعتبرها من المنكرات والموبقات، فمن أراد أن يتخلق بخلق الرحمة فليقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليتدبر في معالمها، فهو القدوة والأسوة والرحمة الهداة صلى الله عليه وسلم.