الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، واللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه اجمعين وسلم تسليما كبيرا الذي لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كبر المسلمون فرحا بقدومه واستقبله الرجال والنساء والأطفال فرحين مستبشرين فنزل بقباء وبنى صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون مسجد قباء وأقام بها بضع عشرة ليلة ثم ركب يوم الجمعة فصلاها في بني سالم بن عوف ثم ركب ناقته صلي الله عليه وسلم ودخل المدينة والناس محيطون به آخذون بزمام ناقته لينزل عندهم فيقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى بركت في موضع مسجده اليوم، ولقد كان حب النبى صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام، وللانصار، الكثير والكثير.
فعن حميد الطويل، قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، قال كانت الأنصار يوم الخندق تقول “نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا” فأجابهم النبى صلى الله عليه وسلم ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة” رواه البخارى، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه اجمعين وسلم تسليما كبيرا، أما بعد فإن من أعظم أبواب التكريم والتفضيل هو الشهادة في سبيل الله فهي اصطفاء وتشريف وتكريم وتفضيل، بل انظر إلى موقف هذا الصحابي الذي رخص له النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج وهو عمرو بن الجموح رضي الله عنه، فلقد كان شيخا من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قال لبنيه أخرجوني أي للقتال، فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم عرجه.
فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال فلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد، فقال لبنيه أخرجوني، فقالوا له قد رخص لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج للقتال، فقال لهم هيهات هيهات، منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد، فأبى إلا الخروج للقتال، فأخرجه أبناؤه معهم فاستشهد في سبيل الله، وهذا كله فداء لله ولرسوله المصطفي ودفاعا عن الوطن والدين، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن لهن وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم، فقال الله عز وجل فى سورة النساء ” ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم “.
بل ارتبط في موضع آخر بالدين، فقال الله تعالى فى سورة الممتحنة ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ” ولما كان الخروج من الوطن قاسيا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرة في سبيل الله تعالى، فعن عبد الله بن عدي بن حراء قال، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة وهى السوق، فقال “إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت” رواه الترمذى، وقال العيني رحمه الله “ابتلى الله نبيه بفراق الوطن” ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سيبقى مهاجرا دعا بتحبيب المدينة إليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته أي أسرع بها، وقال ابن حجر رحمه الله هى فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى حب الوطن والحنين إليه.