
الدكروري يكتب عن مسيلمة والرّجّال في ميدان القتال
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان مسيلمة الكذاب يعدهم بالنصر المحتوم، وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم، وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا، ووضحت نبوّة مسيلمة كلها أنها كاذبة، وهكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة، أما المسلمون، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا سيفه، وغير عابئ بجراحه، فكان النبأ الذى وصل أسماعهم كالحلم الجميل، فودّوا لو أن بهم قوة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو، وليشهدوا النصر في روعة ختامه، ولكن أنى لهم هذا، وقد تفتحل أبواب الجنة لاستقبالهم، ورفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربه، شاكرا نعمته.
ثم عاد الى سيفه والى صمته، فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة، ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين، وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع، هنالك وقد رأى زيد رياح النار مقبلة، لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام، فتمنى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا، وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا، وعزمه اصرارا، وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم، وسقط البطل شهيدا، وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا، وبينما كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يستقبل مع الخليفة أبي بكر الصديق، أولئك العائدين الظافرين، راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد، وكان زيد بن الخطاب رضى الله عنه، طويل بائن الطول.
ولكن قبل أن يجهد عمر بن الخطاب، بصره، فقد اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد وأبلغه شهادته، فقال عمر ” رحم الله زيدا، سبقني الى الحسنيين، فقد أسلم قبلى، واستشهد قبلى وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم، فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق عمر لحظة واحده، ودائما كان يقول” ما هبّت الصبا، الا وجدت منها ريح زيد ” وهكذا فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال”جلست مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رهط ومعنا الرجال بن عنفوة، فقال صلى الله عليه وسلم ” إن فيكم لرجلا ضرسه في النار مثل أحد ” فهلك القوم وبقيت أنا والرحال فكنت متخوفا لها حتى خرج الرحال مع مسيلمة وشهد له بالنبوة وقتل يوم اليمامة”
وقد لعب الرجال دور المستشار الشخصي لمسيلمة وكان ينقل له أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ليقلدها، كي يصدقه الناس، ولكن الله شاء أن يفضح كذبهما، حيث جاء في الكامل لابن الأثير أن امرأة جاءت لمسيلمة فقالت له إن نخلنا لسحيق، وإن آبارنا لجزر، فادع الله لمائنا ونخلنا كما دعا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، لأهل هزمان، فسأل رجل يدعى نهار، عن ذلك، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كل نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنما ظهر ذلك بعد مهلكه، وقال له نهار، أمر يدك على أولاد بني حنيفة مثل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ففعل وأمر يده على رؤوسهم وحنكهم فقرع كل صبي مسح رأسه، ولثغ كل صبي حنكه، وإنما استبان ذلك بعد مهلكه.