مقال

الدكروري يكتب عن فهم الحديث النبوي الشريف

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فهم الحديث النبوي الشريف
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن ما يجب أن يكون عليه فهمنا للحديث النبوي الشريف، هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يبحثون عن حكم ما يعرض عليهم من الحوادث من الكتاب، إذ لا يستغني تعرف ما جاء به الكتاب من أحكام عن النظر في السنة، فقد جاءت بيانا له، ولا يستغني المبين عن بيانه، ألا يرى أن من آياته ما قد يحتمل أكثر من معنى، فتعين السنة النبوية المعنى المراد من المعاني المختلفة وعندئذ يترك ما عداه، وأن من آياته ما يجيء مطلقا فتقيده السنة، وما يجيء عاما فتخصصه السنة إلى غير ذلك من البيان، كبيانها للمراد من اليد في آية السرقة، وكبيانها لمن تصح له الوصية، ولمقدار ما يوصى به في آية الوصية، ولمن يكون حده الجلد إذا زنى في آية جلد الزاني.

وما سوى ذلك من بيان ما يجب مراعاته والأخذ به عند النظر في الكتاب، ومما تقدم يتبين لنا كيف جاءت السنة مبينة للكتاب، وكانت لذلك تابعة له، دائرة في محيطه لا تخالفه ولا تخرج عنه، وذلك ما قد يدل على أنها لا تخالف الكتاب، ومن ثم لا تنسخه، وذلك ما ذهب إليه بعض العلماء وعلى رأسهم الشافعي رضي الله عنه فقد منعوا ذلك، مخالفين ما ذهب إليه الجمهور من أن الكتاب قد نسخ بالسنة في بعض ما جاء به من الأحكام، استنادا منهم إلى أن آية الوصية وهي قوله تعالى ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ”

قد نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم “لا وصية لوارث” وإلى أن آية جلد الزاني، وهي قوله تعالى ” الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ” وقد نسخت بأحاديث الرجم في المحصن، وغير ذلك مما لا يرى فيه هؤلاء المانعون دليلا لهم فيه على جواز نسخ السنة للقرآن ولا على وقوعه، إذ الواقع أنه لا نسخ في هذه الآيات، وذلك ما ذهب إليه كثير من العلماء كالشافعي وأكثر أصحابه، وكثير من الأصوليين، وهو مذهب أهل الظاهر ورواية عن أحمد، وقد يكون هذا هو رأي أكثر من ذهب إلى جواز نسخ القرآن بالسنة من الناحية العقلية لا الواقعية، ذلك لأن من ذهب إلى جواز ذلك إنما جوزه مشترطا أن يكون الناسخ من السنة متواترا.

وتحقق التواتر في الأخبار أمر لا يكاد يوجد، وفيه من الشك والاختلاف ما يقضي بعدم وجوده، وعلى ذلك فليس يوجد بالسنة ما يصلح ناسخا للقرآن، ويكون البحث في هذه المسألة بحثا في غير واقع، أو نادر الوقوع، ولا كبير جدوى فيه، كما قال الشاطبي، وأما من ذهب من الفقهاء إلى إلحاق المشهور من السنة بالمتواتر، في جواز نسخ القرآن به، وهو ما نسب إلى الحنفية، فذلك مذهب بعيد عن الصواب، والمسألة مفصلة في عمل الأصول فيرجع إليها من يشاء، ونتيجة لما تقدم يتبين سلامة ما قررنا من أن السنة تابعة للكتاب، وأنها في درجة أدنى من درجته، وأنها ترجع دائما في معناها، وفيما تأتي به إلى الكتاب وأصوله، وأنها مبينة له، تفصل مجمله، وتبين مشكلة، وتقيد مطلقة، وتخصص عامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى