
تأخير الصلاة عن وقتها
اللواء.أ.ح.سامى محمد شلتوت.
• من العبادات التي فَرَضَها الله على عباده عباداتٌ لها وقت مُحدَّد، فلا يجوز الإتيانُ بِهَا قبل وقتها، ولا يَجوز تأخيرُها عن وقتها المحدَّد، ومن ذلك الصلاة، وإنَّما دلَّ الدَّليل على جواز تقديم الصلاة عن وقتها للعُذر، فيجوز أن تُقدَّم الصلاةُ عن وقتها أو تُؤخَّر، فتجمع مع التي تليها، فتجمع صلاة الظُّهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وكذلك إذا فات وقتها بعُذر نوم ونسيان، وَجَب قضاؤها.• أمَّا تعمُّد تأخير الصَّلاة عن وقتها، ثُمَّ قضاؤها بعد ذلك، كمن لا يُصلِّي صلاةَ الفجر إلاَّ بعد طُلُوع الشمس، أو يُؤخِّر صلاة العصر إلى بعد غروب الشَّمس، فالمحقِّقون من أهل العلم يَرَون عدم صحة القضاء، وأنَّه لو قضاها لم يؤجر عليها، ولا تبرأ ذِمَّته بها، بل الواجب عليه التوبة والإكثار من الأعمال الصَّالحة؛ لتكفِّرَ ترك الصَّلاة، فأسوق جملة من كلام أهل العلم؛ لعلَّ ذلك يوقظ المفرطين، ومن له ولاية عليهم.
قال إبن القيِّم رحمه الله في كتاب الصَّلاة وحكم تاركها (ص: 73 – 80) مقرِّرًا لهذه المسألة أسوق كلامه مُختصرًا: “ما وقته أوسع من فعله كالصلاة فِعْلُه في وَقْته شرطٌ في كَوْنه عبادة مأمورًا بها، فإنَّه إنَّما أمر به على هذه الصِّفة، فلا تكون عبادة على غيرها… فما أَمَر الله به في الوقت، فتَرْكُه المأمورَ حتَّى فات وقته لم يُمكن فعله بعدَ الوقت شرعًا؛ ولهذا لا يُمكن فعل الجُمُعة بعد خروج وَقْتها، ولا الوقوف بعرفة بعد وقته… ولا مشروع إلاَّ ما شرعه الله ورسوله، وهو سبحانه ما شرع فِعْلَ الصلاة والصِّيام والحج إلاَّ في أوقات مُختصة به، فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة، ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت، ولا الوقوف بعرفة في اليوم العاشر، ولا الحج في غير أشهره…ومن أخَّر صلاة النهار، فصلاَّها بالليل أو صلاة الليل، فصلاَّها بالنَّهار، فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه الله ورسوله، فلا يكون صحيحًا ولا مقبولاً…والله سبحانه قد جعل لكلِّ صلاة وقتًا محدودَ الأول والآخر، ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها، ولا بعد خُرُوج وقتها، والمفعول قبل الوقت وبعده أمرٌ غير المشروع، فلو كان الوقت ليس شرطًا في صِحَّتها، لكان لا فرق في الصِّحة بين فعلها قبل الوقت وبعده؛ لأنَّ كلتا الصَّلاتين صلاَّها في غير وقتها، فكيف قبلت من هذا المفرِّط بالتفويت، ولم تقبل من المفرط بالتعجيل؟!وقد أمر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوِّهم أن يصلوا صلاةَ الخوف، فيقصروا من أركانها، ويفعلوا فيها الأفعالَ الكثيرة، ويستدبروا فيها القبلة، ويسلمون قبل الإمام، بل يصلُّون رجالاً وركبانًا، حتَّى لو لم يُمكنهم إلا الإيماء، أَتَوا بها على دوابِّهم إلى غير القبلة في وقتها، ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحَّت، لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها، وهذا يدل على أنَّها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العُذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد أعدائه، فكيف تقبل من صحيحٍ مقيمٍ لا عذر له الْبَتَّةَ وهو يسمع داعيَ الله جهرة، فيدعها حتى يخرج وقتها، ثم يصليها في غير الوقت؟! وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض، بل أمره أنْ يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عَجَز عن ذلك، ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها، لجاز تأخيرها إلى زمن الصِّحَّة.فأخبرونا: أيُّ كتابٍ أو سنة أو أَثَرٍ عن صاحب نطق بأنَّ من أخر الصلاة وفوَّتَها عن وقتها الذي أمر الله بإيقاعها فيه عمدًا يقبلها الله منه بعد خروج وقتها، وتصح منه، وتبرأ ذمته منها، ويثاب عليها ثواب من أدَّى فريضته؟! هذا والله ما لا سبيلَ لكم إليه البتة، حتَّى تقوم الساعة ونحن نُوجِد لكم عن أصحاب رسول الله مثل ما قلناه وخلاف قولكم.فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لم يُعلَم أن أحدًا من الصحابة أنكره عليه؛ قال عبدالله بن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن زيد: أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إنِّي موصيك بوصية إنْ حفظتها: إنَّ لله حقًّا بالنهار لا يقبله باللَّيل، وحقًّا بالليل لا يقبله بالنَّهار… فهذا أبو بكر قال: إنَّ الله لا يقبل عَمَل النهار بالليل، ولا عمل الليل بالنَّهار، ومن يُخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحًا، وأنَّه يقبل صلاةَ العشاءِ الآخرة وقت الهاجرة، ويقبل صلاةَ العصر نصف النَّهار… فهذا قول أبي بكر، وعمر، وابنه عبدالله، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وعبدالله بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبدالله، وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم وغيرهم”.وقال ابن حزم في “المحلى” (2/235): “من تعمَّد ترك الصَّلاة حتى خرج وقتها، فهذا لا يقدر على قضائها أبدًا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوُّع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة، ولْيَتُب وليستغفر الله – عز وجل”.وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في “الاختيارات” (ص: 34): “تارك الصلاة عمدًا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصحُّ منه، بل يكثر من التطوُّع، وكذا الصوم، وهو قول طائفة من السَّلف؛ كأبي عبدالرحمن صاحب الشافعي، وداود وأتباعه، وليس في الأدلة ما يُخالف هذا بل يوافقه”.وقال ابن رجب في “فتح الباري” (5/133-139): “المعذور إنَّما أمره بالقضاء؛ لأنَّه جعل قضاءه كفَّارة له، والعامد ليس القضاء كفَّارة له؛ فإنه كفرٍ تلزمه التوبة بالاتِّفاق… والعامد لم يأتِ نصٌّ بأن القضاء كفَّارة له، بل ولا يدل عليه النظر؛ لأنَّه خرج عن ملة السلام بتعمد اخراج صلاة واحدة عن وقتها و يَحتاج إلى توبة، كقاتل العمد، وحالف اليمين الغموس… وقد نص الإمام أحمد في رواية ابنه عبدالله: على أن المصلي لغير الوقت كالتارك للصلاة في استتابته وقتله، فكيف يؤمر بفعل صلاة حكمها حكم ترك الصلاة؟… ولا يُعرف عن أحد من الصَّحابة في وجوب القضاء على العامد شيء، بل ولم أجد صريحًا عن التابعين – أيضًا – فيه شيئًا،، وقد وردت آثارٌ كثيرة عن السَّلف في تارك الصلاة عمدًا أنَّه لا تقبل منه صلاة، كما رُوي عن الصديق – رضي الله عنه”. و الله اعلم
أعتقد أني فكرت في حياتي لفكرة الصلاة على وقتها وعدم تسويفها أو تأخيرها عن ميقاتها
الفكرة التي تخجلني في تأخير الصلاة عن وقتها تكمن في أنني لستُ أنا من حدد الموعد لهذه الصلاة، ولا أنا من اختار التوقيت!
الخالق تعالى هو من قدّر ذلك… الله الذي خلق هذا الكون بعظمته واتساعه وجماله وبديع إتقانه وكثرة مخلوقاته وآلائه ومعجزاته هو الذي يريدني أن أقف بين يديه، وأكلمه، وأناجيه.
وأنا ماذا أفعل؟!
في كثير من الأحيان أجعل هذا الموعد آخر أولوياتي حتى يكاد يفوت وقته، مُقدّمًا عليه كل أمرٍ تافه، وكل شأنٍ ضئيل!
الله تعالى يطلبني (وأنا مجرد ذرة بلا وزن في كونه العظيم) لأقف بين يديه؛ وأنا منهمكٌ في سخافات الحياة وزينتها البالية.
يطلبني لبضع دقائق فقط، وأنا أُعرِض وأُسوّف وأُماطل وأُؤجّل، ثم آتيه متأخرًا كعادتي!
أيّ تعاسةٍ أكبر من ذلك؟!
يدعوني سبحانه وتعالى (لاجتماعٍ مغلق) بيني وبينه أنا صاحب الحاجة وهو الغني المتفضل؛ وأنا أجعله اجتماعًا مفتوحًا لشتى أنواع الأفكار والسرحان… أحضر بجسدي ويغيب عقلي!يريدني أن أبتعد عن كل شيء لدقائق معدودات؛ لأريح بدني وعقلي، وأفصل قليلًا عن ضجيج الحياة ومشاغلها، وأبث إليه لا لغيره شكواي وهمومي.
هو الخالق العظيم، الغني عني وعن عبادتي ووقتي، يطلبني ليسمع صوتي وأنا الذي يماطل!
ثم ها أنا أجيء إمّا متثاقلًا أو على عَجَل وكأنني آتيه رغمًا عني!
أنا الحاضر الغائب!
هو تعالى يريده اجتماعًا خاصًّا
وأنا أجعله حصةَ تسميعٍ باردة وتمارين رياضية جوفاء وعقلًا شاردًا!
فأي بؤسٍ أكثر من هذا؟
اللهم اغفر لنا كل صلاةٍ لا تليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك.