
الدكروري يكتب عن الوفاء عملة نادرة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المتأمل في أسباب الإفلاس التي ذكرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يجد أنها كلها دائرة على سبب واحد وإن تنوعت صوره، ألا وهي الاعتداء على حقوق الخلق وظلمهم فهو شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، وإن هذه الدنيا مزرعة يزرع فيها الناس أعمالهم، ويبذلون فيها سعيهم، ويتقربون فيها بأنواع وألوان من الأعمال، ويخرجون منها ليس معهم من متعها ولا من ملذاتها شيء، بل يخرجون منها كما جاؤوا إليها، فقد جاؤوا عراة حفاة غرلا، أي غير مختونين، يخرجون منها على نحو هذا الوصف في التجرد من كل ملذات الدنيا ومتعها وأملاكها.
ومن عاهد وواعد وعزم على الوفاء وصدق في عهده كان الله كفيلا له ومعينا، فقيل أنه إذا كان هناك من يحبك، فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان صادقا في حبه، فأنت أكثر الناس حظا، فإن الحب الحقيقي لا ينتهي إلا بموت صاحبه، والحب الكاذب يموت عندما يحيا صاحبه، وإذا كنت تحب بصدق فتوكل على الله ولا تفقد الأمل، وإذا كنت كاذبا، فارحل، وتحدث عن القضاء والقدر، فإن الوفاء عملة نادرة، والقلوب هي المصارف، وقليلة هي المصارف التي تتعامل بهذا النوع من العملات، وإن الحب الجميل الصادق تبقى ذكراه إلى الأبد، والحب الكاذب ينتهي إلى آخر نقطة في قاع الجرح، وأن ثلاثة أشياء تسقط قيمة المرأة حب المال.
والأنانية، وحب السيطرة، وثلاثة ترفعها التضحية والوفاء والفضيلة، ولست أستطيع أن أعيب جمالك أيتها المرأة في شيء، إلا أن الحب والوفاء لا يجتمعان في أصحاب الوجوه الجميلة، ولا يقاس الوفاء بما تراه أمام عينيك بل بما يحدث وراء ظهرك، فالحب شعور راقى جدا، هو فقط يحتاج لمن يعرف معنى الوفاء، وعن سليم بن عامر قال كان بين معاوية، وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
“من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء” فرجع معاوية، ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء، أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم، وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في ذلك على السواء، وفيه دليل على أن العهد الذي يقع بين المسلمين وبين العدو، ليس بعقد لازم لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته، ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من صلى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله، طلبه الله حتى يكبّه في النار على وجهه”
أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة، وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد “فلا تخفروا الله في ذمته” ومعنى خفرت الرجل أى أجرته وحفظته، وأخفرت الرجل، إذا نقضت عهده وذمامه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” وقال ابن عثيمين، وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد، سواء وعدته مالا، أو وعدته إعانة تعينه في شيء، أو أي أمر من الأمور، إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد.