مقال

الدكروري يكتب عن الأبناء وتوقير الآباء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأبناء وتوقير الآباء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

في مرحلة الشيخوخة والكبر يحتاج الوالدان إلى مزيد من التوقير والاحترام من الأبناء، فحق على الأبناء أن يوقروا آباءهم، ويحترموهم، ويعترفوا بفضلهم ومكانتهم، وأن يتأدبوا معهم في مخاطبتهم، والجلوس معهم، وأن يتواضعوا لهم، ولا يتطاولوا عليهم بقول أو فعل، حيث يقول تعالي ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمه” فهما أحق الناس بعطفك ورفقك ورحمتك وتواضعك ومعروفك، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوايّ يبكيان، فقال صلي الله عليه وسلم ” ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما” رواه أحمد، فإياك أن تأفف من شيء تراه أو تشمه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس.

 

ولكن اصبر على ذلك واحتسب الأجر عليه من الله عز وجل، كما صبرا عليك في صغرك، واحذر الضجر والملل قليلا أو كثيرا، وعليك بالرفق واللين معهما، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإياك أن تسيء الأدب معهما، أو تقسو عليهما، أو ترفع صوتك فوق صوتهما، أو تخالفهما على سبيل الردّ عليهما والتكذيب لهما، بل احفظ وصية الله فيهما، فسبحانه القائل العظيم ” وقل لهما قولا كريما” وفي مرحلة الشيخوخة والكبر يحتاج الأبوان إلى زيارة الأبناء لهما وتفقد أحوالهما على الدوام فهما أحق الناس بصلتك وتفقدك وزيارتك، فإياك أن تهجر والديك وتقطعَ الصلة بهما، أو تزجّ بهما في دور العجزة وأنت قويّ البدن سليم الأعضاء، بل عليك بخدمتهما، والإحسان إليهما، مهما كانت ظروفك.

 

وكثرت همومك وانشغالاتك، ومهما كانت أسباب خلافك مع والديك، وكما أن من حقوق الآباء على الأبناء هو برّهما بعد مماتهما، فبرّ الوالدين لا ينقطع بالموت، وحقهما لا ينتهي برحيلهما عن هذه الدار، بل هو مستمر ودائم مدة بقاء الأبناء على قيد الحياة لأن حقوقهما لا تنحصر في خدمتهما والنفقة عليهما بل لهما حقوق يحتاجانها بعد رحيلهما، وهذه دعوة لمن قصّر في بر والديه في حياتهما، أو كان صغيرا عند وفاتهما، أن يستدرك ما فاته من البر بعد وفاتهما، فمن بر الوالدين بعد وفاتهما هو زيارة أقاربهما وأهلِ وُدّهما، ففي زيارة الأقارب وصلة الأرحام بر بالوالدين، وفي صلة أهل وُدّ الوالدين من الأحباب والأصدقاء بر بالوالدين، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل.

 

فقال يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا كبيرا، فهل لي من توبة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألك والدان؟ قال لا، قال ” فلك خالة؟ قال نعم، قال “فبرّها إذن” رواه أحمد، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الخالة بمنزلة الأم” رواه البخاري ومسلم، وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله، إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان وُدّا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن أبرّ البر صلة الولد أهل وُدّ أبيه ” رواه مسلم.

 

ومن بر الوالدين بعد وفاتهما هو الدعاء لهما، فذلك من أفضل ما يقدمه الأبناء لآبائهم بعد وفاتهما، أن تدعو لهما بالرحمة والمغفرة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، فذلك مما أمر الله تعالى به، فقال سبحانه وتعالي ” وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” والدعاء للوالدين من هدي الأنبياء والرسل فقد قال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام “ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب” والدعاء للوالدين من برّ الأبناء الصالحين الذي يستمر أجره وثوابه للوالدين بعد رحيلهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم ينتَفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم، وبالدعاء للوالدين بالمغفرة ترفع درجتهما في الجنة.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول يا رب أنى لي هذه؟ فيقول باستغفار ولدك لك” رواه أحمد، وكما أن من حق الآباء على الأبناء بعد وفاتهما هو انفاذ عهدهما وقضاء دينهما فمن مات والداه وتركا دينا عليهما، أو وصية من بعدهما، فعلى الأبناء أن يقضوا عنهما الدّين، وأن يؤدّوا وصيتهما، وذلك من تركة الوالدين قبل قسمتها، أو من مال يتبرع به الأبناء على الوالدين، فقد قال الله تعالى في آيات المواريث ” من بعد وصية يوصي بها أو دين” أي أن قسمة المواريث إنما تكون بعد قضاء الدين وأداء الوصية وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

“نفس المؤمن معلقة بدينه، حتى يقضى عنه” رواه أحمد، وكما إن من بر الوالدين بعد وفاتهما هو قضاء ما عليهما من نذر، فمن مات من الوالدين وقد نذر أن يتقرب إلى الله تعالى بطاعة معينة، كالصوم أو الحج أو الصدقة أو غير ذلك من الطاعات، ولم يتمكن من الوفاء بنذره قبل موته، فمن بر أبنائه به أن يقضوا عنه نذره إن كان في استطاعتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى