مقال

الدكروري يتكلم عن صفات عباد الرحمن

جريدة الاضواء

الدكروري يتكلم عن صفات عباد الرحمن

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن أول صفة لعباد الرحمن هو نفي الكبر والغرور والتعالي، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي، لأن الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه من أسلوب مشيته، فإنهم متواضعون، والتواضع مفتاح الإيمان، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر، ولقد رأينا بأعيننا في الحياة اليومية، وقرأنا مرارا في آيات القرآن أيضا، أن المتكبرين المغرورين لم يكونوا مستعدين حتى ليصغوا إلى كلام القادة الإلهيين، كانوا يتلقون الحقائق بالسخرية، ولم تكن رؤيتهم أبعد من أطراف أنوفهم، ترى أيمكن أن يجتمع الإيمان في هذه الحال مع الكبر؟ فهؤلاء المؤمنون، عباد ربهم الرحمن، والعلامة الأولى لعبوديتهم هو التواضع، والتواضع الذي نفذ في جميع ذرات وجودهم.

 

فهو ظاهر حتى في مشيتهم، فإذا رأينا أن إحدى أهم القواعد التي يأمر الله بها نبيه وهى كما قال تعالى ” ولا تمشى فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا” فلنفس هذا السبب أيضا، وهو أن التواضع روح الإيمان، فإذا كان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود، فسيعلم كم هو ضئيل حيال هذا العالم الكبير، حتى وإن كانت رقبته كالجبال، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من القليل بالنسبة إليها، تلكم الأرض التي هي نفسها لا شيء بالنسبة الى الأفلاك العظيمة، فإن هذه الحالة من الكبر والغرور، دليلا على الجهل المطلق، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبر أحد الأزقة يوما ما، فرأى جماعة من الناس مجتمعين، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا مجنون شغل الناس بأعمال جنونية مضحكة.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتريدون أن أخبركم من هو المجنون حقا، فسكتوا وأنصتوا بكل وجودهم فقال صلى الله عليه وسلم “المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه، فذلك المجنون، وهذا مبتلى” وإن من صفات المؤمنين هو الحلم والصبر، كما يقول القرآن الكريم ” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” والسلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة، وليس الناشيء عن الضعف، والسلام دليل عدم المقابلة بالمثل حيال الجهلة الحمقى، سلام الوداع لأقوالهم غير المتروية، ليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة، والخلاصة، أنه السلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة، فإن المظهر الآخر من مظاهر عظمتهم الروحية.

 

هو التحمل وسعة الصدر اللذين بدونهما سوف لا يطوي أي إنسان طريق العبودية لله الصعب الممتلىء بالعقبات، خصوصا في المجتمعات التي يكثر فيها الفاسدون ومفسدون وجهلة، ومما يلفت النظر أن أول صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، وآخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة وإنتهت به، لماذا؟ لأن الصلاة أهم رابطة بين الخالق والمخلوق، وأغنى مدرسة للتربية الإنسانية، فالصلاة وسيلة ليقظة الإنسان وخير وقاية من الذنوب، والخلاصة، إن الصلاة إن اقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعا، وجدير بالذكر إلى أن الآيتين الأولى والأخيرة تضمنت كل واحدة منها موضوعا يختلف عن الآخر، فالآية الأولى تضمنت الصلاة بصورة مفردة، والأخيرة بصورة جماعية، الأولى تضمنّت الخشوع والتوجه الباطني إلى الله.

 

هذا الخشوع الذي يعتبر جوهر الصلاة، لأن له تأثيرا في جميع أعضاء جسم الإنسان، والآية الأخيرة أشارت إلى آداب وشروط صحة الصلاة من حيث الزمان والمكان والعدد، فأوضحت للمؤمنين الحقيقيين، ضرورة مراعاة هذه الآداب والشروط في صلاتهم، وبعد بيان الصفات الحميدة للمؤمنين، قد بيّنت الآية التالية حصيلة هذه الصفات فقالت ” أولئك هم الوارثون” أى بمعنى اولئك الذين يرثون الفردوس ومنازل عالية وحياة خالدة ” الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” والفردوس، قيل هي مفردة رومية، وذهب آخرون إلى أنها عربية، وقيل فارسية بمعنى البستان، أو بستان خاص إجتمعت فيه جميع تسميتها بالجنة العالية، وأفضل البساتين، ويمكن أن تكون عبارة يرثون إشارة إلى نيل المؤمنين لها دون تعب مثلما يحصل الوارث الإرث دون تعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى