
الدكروري يكتب عن حسن الخلق وبسط الوجه
بقلم / محمــــد الدكـــروري
إنه يجب علينا جميعا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين، وما أجمل قول ابن حبان عندما قال “الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها” وإن العامل الأساسي في قيام الحضارات والفتوحات وبناء الدولة الإسلامية في العصور والقرون الأولى هو الأخلاق، يوم أن كان الفرد يحب لأخيه ما يحبه لنفسه يوم أن كان الفرد يؤثر غيره على نفسه، يوم أن كان العدل سائدا في ربوع المعمورة يوم أن كانت المساواة في كل شئون الحياة تشمل جميع الطبقات، يوم أن قدمت الكفاءات والقدرات والمواهب.
وغيره الكثير والكثير، فإننا في حاجة إلى أن نقف وقفة مع أنفسنا وأولادنا وأهلينا في غرس مكارم الأخلاق والتحلي بها فنحن نحتاج إلى نولد من جديد بالأخلاق الفاضلة، نحتاج إلى نغير ما في أنفسنا من غل وحقد وكره وبخل وشح وظلم وقهر ودفن للقدرات والمواهب إلى حب وتعاون وإيثار وعدل ومساواة ورفع الكفاءات إذا كنا نريد حضارة ومجتمع وبناء دولة، فهل لذلك أذن واعية ؟ وإن من وسائل البعد عن الفساد هو وسائل اكتساب الأخلاق، فقد يقول قائل كيف أكتسب تلك الأخلاق الحسنة وأطبقها؟ فأقول بأن هناك وسائل لتحصيل حسن الخلق وهى تتمثل بالدعاء بحسن الخلق، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك فكان يقول ” واهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت ” رواه الترمذى.
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول ” اللهم إنى أعوز بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ” رواه أبو داود والنسائي، لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعن أم الدرداء قالت بات أبو الدرداء الليله يصلى فجعل يبكى ويقول ” اللهم أحسنت َخلقى فأحسن ُخلقى، حتى أصبح، فقلت يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليله إلا فى حسن الخلق، قال يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن الخلق الجنه ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار ” وأيضا من وسائل تجنب الفساد هو سلامة العقيدة فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك.
فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق، وكذلك المداومة على العبادة والطاعة لأن الإسلام لم يشرع العبادات بكافة صورها طقوسا ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لهذه العبادة، وأن تتضح جليا في شخصيته وتعاملاته مع الغير، ولو طوفنا حول جميع العبادات لوجدنا الهدف منها هو تهذيب الأخلاق وتزكيتها فالعبادة علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، ولابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين الناس، فتحسنها وتهذبها، وكذلك علو الهمة في التحلي بالأخلاق فعلو الهمة يستلزم الجد، ونشدان المعالي، والترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور.
والهمة العالية لا تزال بصاحبها تزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد، قال ابن القيم رحمه الله ” فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكل خلق رذيل” وقال رحمه الله ” فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار، فالنفوس العلية لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش، ولا بالسرقة ولا بالخيانة، لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفوس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك”