مقال

الدكروري يكتب عن خير البقاع في الأرض “جزء 4”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خير البقاع في الأرض “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فإن المسجد يعطي المجتمع صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه ، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه، فيقول تعالى ” والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين” وإن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، ولكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد، فمن مظاهر ذلك أن يتلاقى المسلمون يوميا على مرات متعددة في بيت من بيوت الله تعالى وقد تساقطت بينهم الفوارق، وإن من نظام الإسلام وآدابه أن تشيع روح المساواة والعدل فيما بين المسلمين ولكن شيوع هذه الروح لا يمكن أن يتم ما لم يتلاق المسلمون كل يوم صفا واحدا بين يدي ربهم ، وقد تعلقت قلوبهم به، فالمسجد باجتماع المسلمين فيه يقضي على مرض التعالي والأثرة والأنانيةن وإن من منهج الإسلام أن يجعل الأمة على اختلاف ألوانها ولهجاتها أمة واحدة ولا يتم هذا إلا إذا كانت هناك مساجد يجتمع فيها المسلمون.

 

على تعلم حكم الله وشريعته ليمسكوا بها عن معرفة وعلم يدفع عنهم شتات الأهواء وفرقة المصالح، فيقول تعالى ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” ويقول تعالى ” إنما المؤمنون أخوه” ومن أجل ذلك ومن أجل تحقيق هذه المعاني في المجتمع المسلم ودولته أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء فبادر إلى بناء المسجد، فإن أهم وظيفة للمسجد هي الحفاظ على إيمان المسلمين، وهذا هو الأساس الرئيسي الذي اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرسه في نفوس أصحابه في مكة، وفي نفوس الأنصار في بيعتي العقبة، إنه الإيمان بالله، ولقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم المساجد أمارات تدل على إسلام أهل البلد، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار” رواه البخارى ومسلم، وهذا دليل على ما للمساجد من أثر بالغ في الإسلام.

 

حيث يعتبر وجودها وعمارتها بالأذان والصلاة صورة حية للمجتمع الإسلامي، كما يعني فقدها أو فقد عمارتها بعبادة الله تعالى ابتعاد المجتمع عن الإسلام، وتلاشي مظاهره من واقع المجتمع، وفي هذا المعنى يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى وجوب الإمساك عن القتال إذا رأوا مسجدا أو سمعوا مؤذنا، فأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم “إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا”رواه الترمذي، والمسجد كما يظهر من اسمه أي مكان السجود لرب العالمين، والرضوخ الكامل له والطاعة المطلقة لكل أوامره، فهذا المكان يحفظ على المسلمين دينهم لأجل هذا كانت حياة المسلمين تدور في مجملها حول محور المسجد، والصلاة في المسجد، ولا تقبل الأعذار في التخلف عن هذه الصلاة إلا في ظروف ضيقة ومحدودة جدا، وأهم الأعمال الصالحة التي تؤدى في المساجد صلاة الجماعة.

 

وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تأمر بصلاة الجماعة وتبين فضلها، فمن الأحاديث التي تبين وجوب صلاة الجماعة ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار” فهذا التهديد بالتحريق يدل على أن من ترك صلاة الجماعة فهو آثم، وهذا يدل على الوجوب لأن المستحب لا يعاقب تاركه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه.

 

فقال “هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم، قال “فأجب” رواه مسلم، فهذا يفيد بأن من سمع الأذان لا يعذر بترك الصلاة مع الجماعة في المسجد، وهذا دليل على الوجوب لأن المستحب لا يُلزم المسلم بفعله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة” رواه البخاى ومسلم، وفي رواية أخرى لهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة” رواه البخارى ومسلم، ولقد كان تأثر المسلمين بهذه الأحاديث والآثار وأمثالها شديدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى